Image by Paul Brennan from Pixabay
مايو 14, 2023

حياة لا يجب أن تترك للحظ!

قبل ما يقارب ثلاثة أعوام، دعيت إلى جنيف للمشاركة في فعالية تناقش وضع اليمن، وأتذكر أني بمجرد أن استلمت الدعوة، تحدثت مع أحد منسقي الفعالية عن العقبات المحتملة التي أخشى أن تعيق انتقالي من هامبورغ إلى سويسرا، كوني أسير على كرسي متحرك.

كان من الواضح أنه لا يعرف عمّ أتحدث، أو ربما –وهذا الأقرب- ليس لديه معرفة كافية بعقبات كثيرة تواجهنا نحن ذوي الاحتياجات الخاصة أثناء السفر. تبدأ بعد حجز التذكرة مباشرة، حيث سيكون عليك أن تسابق الرياح، كي تصل في الموعد المحدد، وتؤكد تسجيل الكرسي المتحرك لتصلك المساعدة إلى البوابة المخصصة في القطار، وإلا لن تسافر.

“أنت في ألمانيا، وكل شيء سيكون موفر لك، وستكونين بخير” قال لي المنسق هذا بينما كنت أحدثه عن العقبات التي واجهتها سابقا، والمشكلات التي يجب أن تطرح مسبقا لكي تضعها الجهة المنظمة في الاعتبار، وأضمن تنقل سلس، ووصول بدون عراقيل.

لا تقف المعوقات عند هذا الحد، وقد تصل إلى المحطة، وتُفاجأ أن الموظف الذي تحدثت معه مطولاً عبر الهاتف لم يتصل بمحطة الوصول الرئيسة في المدينة التي تريد الذهاب إليها، وحينها إذا كنت محظوظا سوف يرد الموظف المناوب في المدينة الأخرى على الهاتف، وتطلب منه المساعدة، وإلا سيتوجب عليك إلغاء الرحلة.

عند الوصول المحطة النهائية، قد تصادف وجود إصلاحات تعيق فريق المساعدة من إخراجك، وستضطر أن تواصل الرحلة نحو أقرب محطة رئيسية، وأنت تشعر بالامتنان للتقدم التكنولوجي الذي وصل له العالم، حيث سيكون بإمكانك الاستفادة من خريطة غوغل إرث في الوصول إلى وجهتك.

وهذا ما حدث قبل فترة وجيزة، عندما كنت في رحلة عمل إلى فرانكفورت، وفاتني القطار بسبب تعطل المصعد في المحطة، إلا أني كنت محظوظة، ووصلت إلى فرانكفورت في نفس اليوم، وعلى الرغم من تأخري بضع ساعات عن الموعد الذي كان من المقرر أن أصل إليه، لكني وصلت قبل موعد الاجتماع.

نعم، كنت محظوظة، ولكن ليس بما فيه الكفاية، فقد كان المصعد في محطة القطار الرئيسية خارج الخدمة بسبب بعض الإصلاحات، واضطررت لتغيير خطة السير، وتبديل أكثر من وسيلة مواصلات لكي أصل.

أحيانا لكي أتمكن من الوصول إلى وجهتي بسرعة، أو لا اضطر لإلغاء الموعد، أجازف كغيري وأطلب من أحد المارة الإمساك بالكرسي حتى لا أسقط، ونصعد معاً على الدرج المتحرك.

فكرة مجنونة، لكنها الخيار الوحيد للوصول، ومواجهة العجز والإحباط، لكن الوضع يصبح أكثر غرابة، حين لا تجد أحداً من المارة، وتضطر لطلب المساعدة من رجال الشرطة المتواجدين في المحطة أو قرب الرصيف.

كل شخص من ذوي الإعاقة يأتي إلى ألمانيا، قد يعتقد لوهلة أن كل العوائق التي واجهته في حياته الشخصية أو الاجتماعية أو التعليم والعمل ستُحل وتنتهي، على اعتبار أنه سيعيش في دولة تمتلك بنية تحتية قوية، وسياسة متقدمة، لكن سرعان ما سيصطدم بالواقع.

والحقيقة أن ألمانيا تمتلك منظومة حقوق لذوي الإعاقة تستحق التقدير مثل الرعاية الطبية، المساعدة في البحث عن وظيفة، أو الحماية من الفصل، والمساعَدة المنزلية، دعم تكاليف رعاية الأطفال، الاستخدام المجاني لوسائل النقل العامة، والتقاعد المبكر، إلا أن هناك جوانب كثيرة تعيق وصول هذه الفئة إلى حقها الكامل في الحياة العادية.

الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في ألمانيا وبقية بلدان العالم، بحاجة ماسة إلى أن توفر لهم كافة السبل، وتذلل كافة الصعوبات التي يواجهونها، حتى يستطيعوا ممارسة حياتهم الطبيعية دون معوقات تضطرهم في كثير من الأوقات إلى إلغاء العديد من خططهم اليومية، وتؤثر بشكل بالغ على حياتهم العملية والتعليمية، مما ينعكس سلباً على صحتهم النفسية، وتحد من حصولهم على عمل دائم.

وتبقى حياة الشخص ذي الإعاقة في كل الأحوال مرهونة بوضع معالجات وحلول جذرية، تحوله إلى عضو فاعل في المجتمع، وغير معتمد على الأخرين أو مرتهن للظروف المحيطة، لاسيما أن هذه الفئة فيها الكثير من الشخصيات التي تمتلك الكفاءة العالية، والخبرات الكبيرة، وتحتاج فقط إلى الدعم اللازم من قبل صناع القرار.

وفي ظل غياب كثير من المتطلبات لذوي الإعاقة في ألمانيا، ظهر مشروع “ليس بدون نحن” التابع لمنظمة هاندي كاب، الذي يسعى لحشد الدعم والمناصرة من خلال عقد لقاءات مع السياسيين والمحاميين والمنظمات الإنسانية، وقد تمكن من تحقيق بعض النتائج الإيجابية، إلا أن الأمر غير كاف، ويجب على السلطات أن تتفاعل بجدية أكثر في إيجاد حلول لمشاكل ذوي الإعاقة.

ولا يجب أن نغفل عن الدور الهام لوسائل الإعلام في توصيل رسالة هذه الفئة، وتسليط الضوء على مشاكلها، من أجل خلق حوار جاد،  والعمل على  إيجاد حلول عملية بعيداً عن الاكتفاء بالكلام، وإظهار  مشاعر التعاطف التي تتلاشى بمجرد انتهاء الاجتماعات والمؤتمرات.