مع قدوم شهر الصوم الفضيل، يعلو طابع البهجة والروحانية في كل زاوية من زوايا الحياة اليومية. ومن بين العادات الجميلة التي تميز هذا الشهر المبارك هي تلك المتعلقة بشراء وتزيين الفوانيس الرمضانية. فالفانوس، بكل تفاصيله الزاهية وتصاميمه المتنوعة، يحمل في طياته تراثًا عميقًا يمتد عبر العصور. في هذا السياق، سأتناول لكم في المقال التالي، كيف أصبح الفانوس رمزاً أساسياً لشهر رمضان؟
الفانوس أو النمام!
بحسب أغلب المؤرخين فإن اكتشاف الفانوس يعود إلى فترة حكم الفاطميين لمصر التي استمرت حوالي قرنين من الزمن. وأطلق عليه عدة أسماء منها على سبيل المثال لا الحصر، النمام لأنه يظهر صاحبه وسط الظلام، أو البرلمان لتشابه قبته وقبة مجلس الشعب، أو تاج الملك، نسبة الى التاج الملكي. أما أصل ظهوره فهناك عدة روايات بخصوص ذلك. بعضها يروي أن الخليفة المعز لدين الله أمر بتعليق فوانيس أمام البيوت خلال شهر رمضان لإضاءة الشوارع خلال هذا الشهر المبارك. ورواية أخرى تقول إن الحاجة إليه نشأت من تبادل الزيارات بين الأسر في هذا الشهر، حيث كانت النساء تخرجن في زيارات متأخرة بعد الإفطار. وكان يلزمهن إضاءة للطريق للذهاب والعودة. ولذا كان الأطفال يرافقوهن بالفوانيس بدلاً من استخدام المشاعل التي كانت تتعرض للإطفاء بفعل الرياح.
الرواية الأكثر تداولاً
أما الدكتورة إيناس محمد البهيجي فتقول في كتابها تاريخ الدول الفاطمية. إن الفانوس اُستخدم لأول مرة عند وصول الخليفة الُمعز لدين الله إلى القاهرة مساء يوم الـ 7 من مضان سنة 362 هجري. قادماً من مدينة المنصورية في المغرب حيث تجمع الناس وهم يحملون الفوانيس لكي يٌنيروا له الطريق. فأصبحت عادة استقبال الشهر الفضيل مرتبطة بالفوانيس حتى الآن. وتضيف الدكتورة في كتابها بأن الفوانيس كانت تستخدم لإنارة المساجد أيضاً، وكانت تغلف بالزجاج الملون لتعطي تأثيراً بهيجاً للناظر.
التحريف الصيني للفانوس
ربما يخفى على البعض بأن الفانوس تعرض في السنوات الأخيرة لمنافسة شديدة من الفوانيس الصينية التي تعمل بالبطارية بأشكالها المتعدد وألوانها الزاهية. وبسعره الزهيد مقارنه بالفانوس الأصلي الذي كان يصنع من النحاس. مما أفقد الفانوس الأصلي عراقته وجماله. وبحسب ما ذكر الكاتب عز الدين نجيب في كتابه الأنامل الذهبية. فإن الفانوس قديماً لم يكن أكثر من صندوق من الصفيح أو النحاس المخرم وبداخله شمعة. إلا أن التطور الذي طرأ عليه أبعده عن أصالته، خصوصاُ بعد أن تنقلت تصميماته بين أشكال المربع والمستطيل والدائري والمكعب، وتزويده بإضاءة داخلية عوضاً عن الشمعة.
صناعة لا تتوقف
وعلى الرغم من أن الفانوس يشتهر بظهوره في شهر رمضان المبارك، إلا أن انتاجه ليس مقتصراً على هذا الشهر فقط. بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من الثقافة والتراث، إذ يتم تصميمه وصنعه على مدار العام. وتعتبر مدينة القاهرة، وبالأخص منطقة “تحت الربع” بالقرب من الأزهر الشريف. ومنطقة وبركة الفيل بحي السيدة زينب، من أهم الأماكن لصناعة الفوانيس التقليدية. فهي تحتضن أكبر ورش لتصنيع الفوانيس الرمضانية، والتي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من تراثها التاريخي.
ختاماً تتجلى قيمة الفانوس الرمضاني ليس فقط في جماليته وتنوع تصاميمه. بل في الرمزية العميقة التي يحملها، حتى وإن تعرض للتحريف بغية المنافسة والصناعة. فالفانوس الرمضاني يعكس تاريخًا طويلًا من العادات والتقاليد والروحانية المتجذرة في قلوب الناس.