This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Foto: Rania Mansouri
قاعة السُّوق الصَّغير.. أحد أركان مدينة فرانكفورت المُختبئة!
يُخيل للمرء أنَّ بزيارته للمتاحف والأبراج الشّاهقة ووسط المدينة القديمة في فرانكفورت قد خَبِرَ المدينة واكتشف أبرز ما فيها، إلا أنَّ بعض الأبواب الصّغيرة المنتشرة في قلب المدينة تخبّأ خلفها حكايات زاخرة بالمعلومات الشيّقة والقيمة. فعلى بعد عدَّة خطوات من متحف الفنّ الحديث ومبنى البلديَّة القديم الشّهير “رومر” وسط مدينة فرانكفورت وتحديداً في شارع “Hasengasse”، تختبأ خلف باب زجاجي صغير “قاعة السُّوق الصّغير” أو كما تعرف بالألمانية “Kleinmarkthalle”. يَدخلُ المرء عبر هذا الباب معتقداً أنه سيجد محلّاً صغيراً لبيع الورود، ليُفاجئ بسوقٍ شعبيٍ كبير يَعبقُ بروائح الخضروات والتَّوابل الشَّرقية واللُّحوم الطَّازجة، ويضجَّ بالحياة والمتسوّقين.
تشتهر قاعة السُّوق الصَّغير بتاريخها العريق، إذ يعود تاريخ بنائها إلى الفترة بين عامي 1877م و1879م، حيث كانت المنطقة المقامة عليها القاعة حالياً ملتقى للمزارعين المحلّيّين لبيع منتجاتهم الطَّازجة من الخضروات والفواكه، ومع مرور الوقت واكتساب المنطقة شعبيَّة كبيرة من قبل سكان فرانكفورت، تم الاتّفاق على تحويلها الى سوق مغطى لتوفير مكان أكثر ملائمة للتُّجَّار والزُّوَّار على حد سواء. صمَّمت قاعة السوق على طراز عصر النَّهضة الجديدة التي استلهمت أفكارها من مجموعة واسعة من الفنون الإيطاليَّة. يلاحظ المرء خلال تجوُّله بين المحالّ الصَّغيرة براعة هذا التَّصميم، الذي اعتمد في بناء هيكله بشكل أساسي على الحديد، في محاولة لتوفير أكبر عدد من المحالات في مساحة صغيرة تُقدَّر ب 1500 متر مربَّع.
تحتوي قاعة السُّوق الصَّغير على 64 محلّاً للتَّجزئة تتوزَّع على طابقين. تنتشر محالَّ بيع الخُضروات الطَّازجَة والتَّوابل الشَّرقيَّة الفوَّاحة ومحالَّ العطارة والورود في الطّابق الأرضي. أمَّا في الطَّابق العلوي يوجد محالَّ بيع اللُّحوم والأسماك والنّبيذ، وكذلك أيضاً بعض الحوانيت التي تقدَّم المشروبات إلى جانب وجبات صغيرة لرُوَّاد السوق. اللافت للنَّظر أنَّ العديد من الأشخاص الذي يزورون السُّوق لا يأتون لشراء منتجاته، بل يتوجهون إليه قاصدين تلك الحوانيت الصغيرة خصيصاً للانضمام إلى الأصدقاء وتبادل الأحاديث المتنوعة. من السياسة إلى الرياضة مروراً بالمواضيع الاجتماعيَّة، لا يكفُّ النَّاس هناك عن تبادل وجهات النَّظر وكأن السُّوق هو برلمان المدينة المصغَّر.
تحافظ قاعة السُّوق الصَّغير على مكانتها ورمزيتها وحضورها الثَّقافي والاجتماعي والاقتصادي القوي في حياة سكَّان فرانكفورت منذ أكثر من مئة عام. لا يُشكّلُ ضيق المكان أيَّ مشكلة لرواده أو للبائعين هناك، إنه أشبه بغرفة صغيرة وحنونة كما يقول سميح شقير تَتَّسِع للجميع. تَجلَّى ذلك في ردَّةِ فعل سكَّان المدينة بعد الدَّمار الكبير الذي حَلَّ في السُّوق إبان الحرب العالميَّة الثَّانية عام 1944م، حيث لم يتوانى سكَّان المدينة آنذاك في إعادة ترميم صرحهم الاجتماعي والاقتصادي الصَّغير من جديد، ليتم افتتاحه مرة أخرى عام 1954م. منذ ذلك التاريخ حتى اليوم لا تزال قاعة السوق الصغير تحتفظ بنكهة الماضي وعراقة الحاضر بما تحتوي من محالَّ قديمة وبضائع فريدة.