Foto: Eman Helal
نوفمبر 19, 2025

نفرتيتي بين برلين والقاهرة: جدل الملكية يعود إلى الواجهة مع افتتاح المتحف المصري الكبير

شهدت مصر مؤخراً افتتاح المتحف المصري الكبير خلال حفل ضخم حضره عدد من ملوك و ررؤساء العالم، ومن بينهم الرئيس الألماني فرانك شتاينماير. لكن حضور شتاينماير كان محط انتقاد المؤرخ الألماني يورغن زيمرير من جامعة هامبورغ، كونه لم يتم حسم مسألة إمكانية إعادة تمثال الملكة نفرتيتي النصفي إلى مصر. فمنذ الإعلان عن حفل افتتاح المتحف الجديد، عادة النقاش حول إعادة رأس الملكة المصرية من برلين إلى بلدها ليتصدر الواجهة.

الصحافة الألمانية تدافع عن أحقية ألمانيا باقتناء نفرتيتي

صحف ألمانية عديدة تحدثت عن أحقية ألمانيا في التمثال و قانونية حصولها عليه ، فنُشرت مانشتات مثل الملكة التي لن تعود على موقع rbb24. لكن في الجهة الأخرى هناك مطالبات لأثريين مصريين بعودة التمثال الذي ينتظره مكان عرض مناسب داخل المتحف الجديد.

ظهر هذا الجدال جلياً أيضاً عندما اُستخدمت صورة نفرتيتي للإعلان عن احتفالات مرور 200 عام على متحف برلين Museumsinsel. فحافلات شركة Flixbus على سبيل المثال تعرض صورة نفرتيتي تحت شعار بعد 3000 عام لا تزال نفرتيتي تسافر بأناقة. الآن حان دورك.  فكيف وصلت نفرتيني في عام 1913 لبرلين ؟ وهل يمتلك المتحف التمثال بشكل قانوني كما تدّعي الصحافة الألمانية ( في ظل وصوله قبل عقود في ظروف غامضة)؟ ولماذا لم يتم عرضها مع القطع الأخرى التي خرجت من مصر وظلت في المخازن بدون الإعلان عن وجودها لمدة 11 عاماً؟

رحلة نفرتيتي من مصر إلى ألمانيا

في كانون الأول/ ديسمبر من عام 1912 اكتشف الأثري الألماني لودفيج بورشرت تمثال نفرتيتي النصفي خلال عملية تنقيب في ورشة النحات تحتمس في مدينة أخيتاتون القديمة ( تل العمارنة حالياً ) في مصر. نفرتيتي تعني الجميلة أتت. كانت قواعد التنقيب وقتها تفرض أن تحصل مصر على جميع الاكتشافات المتميزة بينما تُقسّم الاكتشافات غير المتميزة بالتراضي. وفقاً لتلك القواعد فمن الصعب تخيُل أن مصر سمحت بخروج تلك القطعة الأثرية المميزة ذات القيمة التاريخية والفنية. كذلك من الصعب تصور أن الألمان حصلوا على مثل هذا العمل الفني الرائع وأن المصريين اكتفوا بقطع ذات قيمة تاريخية أكثر منها فنية. خلال فترة التنقيب كانت مصر لاتزال تحت الاستعمار البريطاني ، وكانت مصلحة الآثار في ذلك الحين تحت الإدارة الفرنسية، والتي حصل منها بورشرت على تصريح التنقيب.

هل تمت سرقة التمثال ؟

وفقاً لرأي عدد كبير من علماء المصريات فقد هرّبَ بورشرت التمثال في صندوق خشبي ملفوفًا بقطع قماش ومُغطى بالطين، ليعطي الانطباع بأنه ليس ذا قيمة. وما يؤيد هذه الرواية هو عرض جميع القطع التي وجدها خلال عملية التنقيب في معرض ببرلين عام 1913 باستثناء تمثال نفرتيتي ، والذي لم يُعرض على الجمهور إلا بعد مرور 12 عاماً على اكتشافه.

هذا يجعل من الصعب تصديق أن اقتناء التمثال كان قانونياً. يؤيد تلك الرواية أيضاً كتاب “Das Tal” للكاتب فيليب فاندنبرغ الذي أشار إلى سلوك بورشرت بعد اكتشافه تمثال نفرتيتي. فقد عُرض التمثال  فقط على القيصر فيلهلم الثاني، ثم أُخفي بعدها فوراً حتى عام 1924 عندما أُتيحت نفرتيتي للجمهور في متحف برلين. وفقاً لموقع المتحف فإن جيمس سيمون ، الذي موْل أعمال التنقيب في مصر، كان يعرض التمثال داخل فيلته بشارع Tiergartenstrasse في برلين ثم أهداه في عام 1920 إلى المتحف كإعارة بشكل دائم. كما يصفه المتحف بأنه أحد أعظم رعاة المتاحف في التاريخ.

الرواية الألمانية لا تتغير

إذا إطلعنا على تصريحات المسؤولين الألمان الحالية فسنجد رداً واحداً غير قابل للنقاش تم الحصول على تمثال نفرتيتي بشكل قانوني. حيث تمتلكه مؤسسة التراث الثقافي البروسي في برلين. وفقاً للكتاب المصري سمير جريس فإن المسؤولين في برلين اليوم لا يريدون معرفة أي شيء عن الظروف الغامضة التي وصل خلالها التمثال إلى ألمانيا. فقد كتب مقالاً عام 2007 لجريدة Taz بعنوان نوع مختلف من الفن المنهوب”. وذلك على أثر الحملة التي شنها زاهي حواس المدير السابق لهيئة الآثار المصرية  من أجل استعادة رأس نفرتيتي باعتباره عملاً فنياً مسروقاً. يذكر جريس في مقاله أنه لدى متابعة تصريحات وزير الثقافة الألماني نيومان بهذا الخصوص تشعر أنه لا يعرف ما الذي يتحدث عنه أو أنه يُخفي الحقائق عمداً. فمن ضمن تصريحاته أن الجانب المصري لم يشكك أبدآً في ادعاءات ملكية جيمس سيمون للتمثال بالإضافة لقطع أثرية أخرى تم استقدامها بعد عمليات التنقيب. لكن هذا غير صحيح.

مطالبات مصرية بعودة نفرتيتي منذ مئة عام

علمت مصر للمرة الأولى بوجود تمثال نفرتيتي النصفي في وقت مبكر من عام 1923 وكان رد الفعل هو الغضب. وطالبت الحكومة المصرية باستعادة التمثال في عام 1925. بدأت مفاوضات مطولة وطالبت مصر خلالها بالتحكيم ، لكن الجانب الألماني رفض ، وبسبب هذا النزاع أصبح المنقبون الألمان أشخاصاً غير مرغوب فيهم في مصر لسنوات. وفي عام 1929 تم التوصل إلى اتفاقية تبادل أيدها خبراء وزير الثقافة أدولف غريم لكن معارضو القرار شنو حملة صحفية وأقنعوا الوزير بالعدول عن قراره. ومع ذلك واصلت مصر جهودها لاسترجاع نفرتيتي. في عام 1933 خطط هيرمان غورينغ رئيس وزراء بروسيا آنذاك لسعودة التمثال ، لكن هتلر رفض ذلك لإعجابه الشديد به.

أصوات ألمانية مؤيدة لعودة التمثال لمصر

أقرّ بعض المثقفين الألمان بشرعية مطالب مصر بإعادة التمثال. حيث نشر الصحفي جيرد ف. باتزينسكي وهربرت غانسماير، مدير متحف بريمر أوفرسي، في عام 1984 كتابًا شككا فيه في دور أوروبا ككنز لـ العالم الثالث. كان عنوان الكتاب: نفرتيتي تريد العودة إلى وطنها. كما أيدت السياسية من حزب الخضر بريجيت شومان هذا المطلب وأرسلت في عام 1992 رسالة إلى مؤسسة التراث الثقافي البروسي  في برلين أعربت فيها عن شكوكها في الشرعية الكاملة لبقاء التمثال في برلين.

كذلك صرح المؤرخ الألماني يورغن زيمرير ، أستاذ متخصص في تاريخ الاستعمار والإبادة الجماعية من جامعة هامبورغ ، أن الكنوز المصرية في المتاحف الألمانية هي في الغالب مسروقات من الحقبة الاستعمارية. مُشيراً إلى أن المصريبن لم يكن لهم سلطة بالموافقة أو الرفض، فقانون تقسيم الاكتشافات الأثرية وضعته إنجلترا وفرنسا وكانتا مسؤولتين عن إدارة الآثار. ويؤكد زيمرير أن تقسيم القطع الأثرية التي يتم استخراجها خلال عمليات التنقيب هي حق استعماري منحه اللصوص لأنفسهم. فمن وجهة نظره نفرتيتي سُرقت.

Amal, Frankfurt!
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.