epd-bild/Detlef Heese
نوفمبر 13, 2025

إصلاح الخدمة العسكرية في ألمانيا: بين ضرورات الأمن والديمقراطية

بعد أكثر من أربعة عشر عاماً على تعليق التجنيد الإجباري في ألمانيا عام 2011، عاد هذا الملف إلى الواجهة السياسية من جديد. وبينما كانت الخدمة العسكرية لسنوات رمزاً للماضي الألماني الملتزم بالدفاع الجماعي في إطار الناتو. فإن التحولات الجيوسياسية في أوروبا، ولا سيما التهديد الروسي المتصاعد بعد الحرب على أوكرانيا، دفعت الحكومة الألمانية إلى إعادة التفكير في نظامها الدفاعي.

وفي هذا السياق، توصل الحزب الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CDU/CSU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) إلى اتفاق مبدئي لإصلاح نظام الخدمة العسكرية، كما نقلت كل من صحيفتي Spiegel وTagesschau. وذلك بعد أسابيع من المفاوضات الحادة بين الجانبين.

مضمون الاتفاق: خدمة طوعية وفحص إلزامي

بحسب دير شبيغل، ستبقى الخدمة العسكرية طوعية في المرحلة الأولى، لكن سيُلزم جميع الرجال بالخضوع لفحوصات طبية لتحديد مدى أهليتهم للخدمة. هذه الخطوة تعد بمثابة إعادة إحياء جزئية للتجنيد الإجباري دون إعلانه رسمياً. وتهدف إلى إنشاء سجل شامل للشباب القادرين على الخدمة في حالات الطوارئ أو الدفاع الوطني.

وزير الدفاع الاتحادي بوريس بيستوريوس (SPD) كان من أبرز المدافعين عن هذه الصيغة الوسطى. واعتبر أنها توفر للجيش مرونة في الاستعداد للطوارئ دون فرض تجنيد شامل يثير رفضاً شعبياً أو حزبياً.

خطة التنفيذ: بين عام 2026 و2027

ومن المقرر أن يبدأ تطبيق القانون الجديد مطلع عام 2026، بينما ستبدأ الاختبارات الطبية للتجنيد في يوليو/تموز 2027. وسيشمل التجنيد جميع الذكور المولودين بعد الأول من كانون الأول/ يناير 2008. الخطوة الأولى ستكون تعبئة استبيان إلكتروني إلزامي للرجال يتضمن معلومات صحية وتعليمية ومدى الاستعداد للخدمة. في حين سيكون ملء الاستبيان اختيارياً للنساء ولمن لا يندرجون ضمن التصنيف الثنائي للجنس.

مبدأ الطوعية: أداة لتجنب التجنيد الإجباري الكامل

الحكومة الألمانية تسعى في المقام الأول إلى تحفيز الخدمة الطوعية، وذلك من خلال تحسين ظروفها المادية والمعنوية. إذ من المخطط وفقاً لـ Tagesschau أن يحصل المتطوعون على راتب شهري يقارب 2600 يورو. مع إمكانية منحهم وضع “جندي مؤقت”  وما يتبعه من مزايا، مثل دعم الحصول على رخص قيادة أو تدريب مهني إضافي.
تهدف هذه الحوافز إلى رفع عدد أفراد الجيش الألماني إلى نحو 260 ألف جندي دائم و200 ألف جندي احتياطي، أي بزيادة قدرها 80 ألفاً مقارنة بالوضع الحالي.

إجراءات القرعة والاختيار: التجنيد عند الحاجة فقط

وتشير المصادر إلى أن القانون الجديد يتضمن ما يسمى “التجنيد الإجباري بناءً على الطلب”. ولن يكون تفعيل التجنيد تلقائياً، بل فقط إذا لم تكفِ الخدمة الطوعية لتغطية احتياجات الجيش. وفي هذه الحالة، سيُجرى اختيار عشوائي (قرعة) لتحديد من سيستدعيهم الجيش.
كما يشدد الاتفاق بين الأحزاب على أن هذه الآلية ستكون “خياراً أخيراً” ولن تُفعّل إلا بقرار منفصل من البرلمان (البوندستاغ).

منظور التحالف الحاكم: الأمن في مواجهة الناتو والتهديد الروسي

أما الدافع الأساسي لهذا الإصلاح فهو تلبية متطلبات الناتو وزيادة جاهزية ألمانيا العسكرية في مواجهة التحديات الأمنية الراهنة، خاصة مع تصاعد التوتر مع روسيا. وتؤكد وزارة الدفاع أن الهدف هو توسيع نطاق الجيش الألماني بحلول عام 2035 ليصل إلى الأعداد المطلوبة ضمن التزامات الحلف الأطلسي. مع التأكيد على أن إعادة التجنيد الإجباري الكامل لن تحدث إلا بقانون خاص منفصل.

توسيع نطاق الخدمة المدنية التطوعية

لا يقتصر الإصلاح على الجانب العسكري فحسب، بل يشمل أيضاً توسيع الخدمات التطوعية المدنية. فقد خُصص 50  مليون يورو إضافية عام 2025 و80  مليوناً سنوياً بدءاً من عام 2027 لتوسيع فرص الخدمة المدنية في مؤسسات الرعاية والتعليم والإغاثة البيئية. الهدف هو إشراك أكثر من 100 ألف شاب وشابة سنوياً في أعمال تطوعية تخدم المجتمع. بما يعزز مفهوم المشاركة المدنية كجزء مكمّل للخدمة العسكرية.

محاولة للتوفيق بين الأمن والديمقراطية

يمثل هذا الاتفاق محاولة جادة من الحكومة الألمانية لتحقيق توازن بين حاجات الدفاع الوطني والحريات الفردية. يرى البعض أن إعادة التجنيد تمثل تراجعاً عن مكتسبات الديمقراطية الحديثة، يرى آخرون أنها ضرورة أمنية استراتيجية في ظل بيئة أوروبية متغيرة. ورغم أن الاتفاق الحالي لا يفرض التجنيد الإجباري بشكل مباشر، إلا أنه يفتح الباب أمام عودة تدريجية ومنضبطة للنظام القديم في حال اقتضت الظروف الدفاعية ذلك. وبذلك، يمكن القول إن ألمانيا تدخل مرحلة “تجنيد مرن”، يستجيب للواقع الأمني دون المساس بجوهر القيم الديمقراطية.

Amal, Frankfurt!
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.