يثير العرض الجديد من Postbank، الذي يروج لحساب “Giro pur” كخدمة مجانية، جدلًا واسعًا في ألمانيا بعد أن تبيّن أن الإعفاء من رسوم الحساب مشروط بقبول العملاء تسويقًا مخصصًا مبنيًا على تحليل دقيق لسلوكهم المالي والرقمي.
يأتي هذا الجدل في وقت تتزايد فيه المخاوف من استغلال البيانات المالية للأغراض التجارية، وسط مطالبات أوروبية بفرض رقابة أكثر صرامة على ممارسات البنوك الرقمية.
حساب مجاني مشروط بمراقبة البيانات الشخصية
يتيح “Giro pur”، الذي يقدمه البنك دون رسوم شهرية لمن يحوّل إليه ما لا يقل عن 900 يورو شهريًا. للبنك الحق في تتبّع كل عملية دفع، وتحليل معلومات الحساب، واستنتاج اهتمامات العميل بناءً على تفاصيل التحويلات. كما يسمح لـ Postbank بإرسال عروض دعائية موجهة عبر البريد الإلكتروني، المكالمات الهاتفية، وحتى عبر البريد التقليدي. وتنص البنود الخاصة للحساب على أن “البيانات المأخوذة من العمليات المالية تُستخدم لتقديم عروض من البنك وشركائه”. لكن دون تحديد واضح لطبيعة الشركاء أو نوع الإعلانات.
شكاوى العملاء: “إعلانات مزعجة واستغلال للخصوصية”
العديد من العملاء لم يلاحظوا في البداية البنود المتعلقة بالإعلانات. إذ صيغت المصطلحات القانونية بصيغة فضفاضة دون استخدام مباشر لكلمة “إعلان”. وأفاد متحدث باسم Postbank بأن “الحساب لا يمكن فتحه إلا عبر الإنترنت، وخلال العملية نوضح بأن تقديم العروض المخصصة يعد جزءًا من اتفاق الاستخدام”. وأضاف المتحدث: “نجري بحد أقصى 20 محاولة اتصال هاتفي لكل حملة. وكلما استجاب العميل أسرع، قلّ عدد الاتصالات”، مؤكدًا أن الحملات الهاتفية لم تطلق بعد رسميًا.
منظمات المستهلك: هذا النموذج غير قانوني
الخبير المالي نيلس ناوهاوزر من مركز حماية المستهلك في بادن-فورتمبيرغ صرّح قائلًا. “وصف هذا الحساب بأنه مجاني مضلل تمامًا، لأن العميل يدفع بخصوصيته”. وقد رفعت الهيئة دعوى أمام المحكمة الإقليمية في فرانكفورت، متهمة Postbank بانتهاك توجيهات الاتحاد الأوروبي، من خلال إرسال إعلانات دون موافقة صريحة من العميل.
وتستند الدعوى القضائية إلى ما يعتبره الخبراء خرقًا للمادة 7 من اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، التي تشترط موافقة صريحة ومحددة لكل استخدام تسويقي للبيانات الشخصية. ويضيف ناوهاوزر. “البيانات لا تستخدم فقط لتقديم عروض للعميل نفسه، بل تشمل أيضًا معلومات عن أطراف خارجية يتعامل معها العميل ماليًا، دون أن يمنحوا هم موافقتهم”.
تحذير من مركز حماية المستهلك في هامبورغ
الخبيرة المالية كيرستين فويلر من مركز حماية المستهلك في هامبورغ اعتبرت أن النموذج التسويقي “يفتقر إلى النزاهة”. وقالت: “أن يطلب من العميل القبول بهذا القدر من الإعلانات لتوفير 5.90 يورو شهريًا، يعد صفقة غير متوازنة. فالثمن هنا هو الشفافية المطلقة تجاه طرف تجاري”.
ولفتت فويلر إلى أن كثيرًا من العملاء لا يدركون أن قبول شروط الحساب يعني الدخول في نموذج اقتصادي قائم على استغلال المعلومات الشخصية. مما يحوّل المستخدم إلى “عميل شفاف” أمام جهات تسويق دون معرفة مدى ارتباطها بالخدمات المصرفية. وأوصت فويلر العملاء بالانسحاب من هذا النموذج، مؤكدة أن “الإعلانات لا يمكن إيقافها داخل الحساب. من يريد الحفاظ على خصوصيته، عليه تغيير الحساب أو البنك”. يُفتح هذا النموذج الباب أمام نقاش أوسع في ألمانيا حول توازن القوة بين البنوك الرقمية وحقوق المستهلك. في ظل بيئة مصرفية تزداد فيها الضغوط لتقديم خدمات دون رسوم على حساب الخصوصية.
