كثير منا يعرف نكتة نوّاب مجلس الشعب الذين صوّتوا بالإجماع، فردّد الصدى: ماع، ماع.. وتعني لمن لا يعرف أن نوّاب مجلس الشعب في بلادنا ليسوا سوى قطيع يسيّره قائد دون تفكير. هذه النكتة تلخّص واقعنا ونظرتنا تجاه الانتخابات في بلادنا. ولهذا وجد البعض منا نفسه غير معنيّ بما يحدث أثناء فترة التحضير أو خلال أيام الانتخابات.
فقوائم الجبهة الوطنية، التي تتألف من أحزاب تعلن ولاءها لرئيس البلاد وتأتمر بأمره، ستفوز شئنا أم أبينا. أما المرشّحون المستقلون فينقسمون بين واجهات فارغة لا حول لها ولا قوة، وبين تجّار يرغبون بتوسيع سلطتهم لزيادة مكاسبهم. وفي كل الأحوال عليهم أن يتعلّموا جيداً كيف ومتى يصفّقون!
أما نحن الشعب الغافل فعلينا أن نفعل كما فعل والد سلمى في “قصيدة حب” للرحابنة. حيث تقول لنا الحكومة دائماً: “أنت لا تفكّر، نحن منفكّر عنّك. أنت لا تتدخّل نحن منتدخّل عنّك!” وحين نسأل، إن سألنا، عن دورنا فيما يحدث. تكون الإجابة: “انبسط.. اشتغل.. وكولْ ونام… وطنّش” أي لا تفكّر. ولا ننسى أن نشارك في حلقات الدبكة خلال أيام الانتخابات وما تلاها من الأفراح والليالي الملاح.
الانخراط في العمل السياسي
وعليه كان العمل السياسي مصدر قلق لكثير من الأسر التي اختار بناتها وأبناؤها مسارات معارضة لأنظمة الحكم. ومن فكّر منهم بتأسيس حزب معارض أو الانخراط في العمل السياسي على الضفة الأخرى تعرّض للاعتقال أو القتل. ومنهم من فرّ بجلده هارباً من الأمرين. بينما اختار البعض البقاء كدمى متحرّكة تحت سقف أحزاب تحرّكها القوى الحاكمة حتى يومنا هذا. ولأن كل شيء هناك مرتبط بالحزب الحاكم فلا يوجد هناك إحصائيات وأرقام صادقة للمشاركة الفعلية بالانتخابات.
ما الذي تغيّر في بلدان اللجوء؟
وبعد أن خاض الكثير تجربة اللجوء الصعبة ما زال هناك عائق يحدّ من مشاركة ذوي الأصول المهاجرة أو اللاجئين في الانتخابات. وقد تتعدّد أسباب عدم المشاركة، لكن أحد أهم هذه الأسباب يتمثّل في عدم وجود خبرة تراكمية كافية بالعمل السياسي. بالإضافة إلى العائق النفسي نتيجة تكريس فكرة عدم كفاءتنا في هذا المجال.
ورغم كلّ ذلك نجد الآن تحرّكاً واضحاً ورغبة شديدة لدى البعض بالمشاركة الفاعلة في العمل السياسي. خاصة بعد أن اصطدم القادمون بواقع مغاير للصورة المثالية المرسومة في الأذهان عن الحياة الأوروبية. ونتيجة صعود اليمين المتطرّف بكلّ أشكاله. بالإضافة إلى ما تسبّبت به الأحداث الراهنة وطرق تعامل الحكومات الأوروبية معها. لكنّ هذه المشاركة تبقى محدودة حتى الآن.
نسبة الناخبين من خلفيات مهاجرة
ولكي أكون أكثر واقعية في الحديث عن الموضوع، خاصّة وأني لا أختلف كثيراً عمّن أنتمي إليهم من ناحية ابتعادي وعدم ثقتي بالعمل السياسي المندرج تحت سقوف الأوطان. عدت إلى المصادر والإحصائيات، التي لم أجد فيها توثيقاً دقيقاً لمن هم من خلفيات عربية مهاجرة. فوفقاً للتعداد السكاني المصغر لعام 2023، من المقدر أن أكثر من 8 مليون من الألمان في سن التصويت لديهم خلفية مهاجرة. أي ما يعادل 17% من الناخبين الألمان المؤهلين.
وكجزء من تقرير الخبراء الذي ركز على انخفاض نسبة إقبال الناخبين من أصل تركي دون غيرهم في الانتخابات الاتحادية لعام 2021. يعود الانخفاض إلى الافتقار للمهارات اللغوية كأسباب لانخفاض نسبة إقبال الناخبين. كما لعبت تجارب التمييز دوراً، حيث يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على ثقة الأشخاص ذوي الخلفية المهاجرة في السياسة.
ضرورة التغيير
الوضع هناك كان أسهل كثيراً فخياراتنا محدودة بين التطنيش والابتعاد عن ساحة العمل السياسي أو الاعتقال أو الانقياد الأعمى. وهناك من يأخذ القرارات عنّا! إلى أن اشتعلت شرارة الثورة الأولى عام 2011، والتي اشتعلت معها رغبتنا في التغيير. ووجدنا أنفسنا نحبّ بلادنا التي غادرناها مكرهين. ونحن هنا الآن بحثاً عن مستقبل مختلف لأولادنا. لذلك ورغبة منا في التغيير؛ علينا أن نحاول وأن نكون جزءاً مما يحدث. وأن نصدّق أننا يمكن أن نكون أصحاب قرار وأن صوتنا قد يحدث فارقاً ولو كان صغيراً، سواء على صعيد الانتخابات المحلّية أو الأوروبية بشكل عام. لنقف في وجه المد المتطرّف أياً كان، ولنعيد للعالم إنسانيته التي يفقدها شيئاً فشيئاً. فربما عندها فقط سننجح في أن يرى العالم ما يحدث في شرقنا المقهور دون زيف.