يَكثُر الحديث هذه الأيام، ومع اقتراب الانتخابات الأوروبية، المقرر إقامتها في التاسع من الشهر القادم، عن مشاركة المُجنّسين الجدد فيها. وتنقسم الآراء حول ضرورة ذلك، وعدم الجدوى. وكوننا نعيش في هذه البلاد، الديمقراطية نسبياً، وددت أن أوجّه هذه الرسالة للحاصلين على الجنسية الألمانية من العرب والسوريين.. ليس ترويجاً وإنما رجاء.
لماذا لا نهتم بالسياسة والانتخابات الأوروبية؟
هناك فريق من المجنّسين، ليس لديه اهتمام بالسياسة، سواء الألمانية أو الأوروبية. ربما لكثرة مشاغل الحياة، ومتطلباتها. وفي الغالب لأن السياسة لم يكن لها أيادي نظيفة في حياتنا. فالانتخابات لم تنعكس نتائجها على حياتنا في بلداننا الأم، بشيء مميز، إذ صح واستطعنا تسميتها بانتخابات أصلاً. نتيجة التزوير. الفساد الذي كان يطالها. ولم تأتِ الصناديق يوماً بمن أراده الشعب. أو بما يكون خيراً له. لذا واعتقاداً من البعض، أن هذه سمة كل الانتخابات في العالم، يحجمون عن المشاركة فيها في بلدانهم الجديدة التي يحملون جنسيتها.
وفي الوقت ذاته. هناك من ليس لديه اطلاع على الأحزاب الألمانية. مع أن المعلومات متاحة على الإنترنت، وكذلك البرامج الانتخابية للأحزاب أيضاًَ. لكن يبقى هناك لوم على الأحزاب، أو على الأشخاص ذوي الأصول المهاجرة المنتمين لها. كونها لم تسع لنشر هذه البرامج وهذه المعلومات باللغات الأم للمهاجرين، لتتاح لهم معرفة الأحزاب بشكل أوضح، وأسهل. وبالتالي تحفزيهم على المشاركة.
قرارات الاتحاد الأوروبي لا تخص الأوربيين فقط
منذ أيام انتشر تحقيق في موقع “شبيغل أون لاين” تحت عنوان “اعتراض وترك المهاجرين في شمال إفريقيا: الاتحاد الأوروبي يموّل المسؤولين”. فضح التحقيق التواطؤ الأوروبي بانتهاكات حقوق المهاجرين في شمال إفريقيا، إذ استخدم التمويل الأوروبي لتعزيز سياسات قاسية وغير إنسانية، تعرّض حياة آلاف الأشخاص للخطر.
وذكر التحقيق أن الاتحاد الأوروبي يمول حكومات شمال إفريقيا من خلال برامج مثل “صندوق الاتحاد الأوروبي الطارئ لأفريقيا”. الذي يوفّر مليارات اليوروهات لتعزيز قدرات إدارة الهجرة. وتُستخدم هذه الأموال لتزويد قوات الأمن بالمعدات، مثل سيارات الدفع الرباعي وتدريب الأفراد، لضمان اعتراض المهاجرين قبل وصولهم للسواحل الأوروبية.
فبالتالي مشاركتك في الانتخابات مفيدة. حتى لا تُفسح المجال أمام المتطرفين والأحزاب اليمينية للوصول للسلطة والبرلمان الأوروبي. فهؤلاء يسعون لتقديم المزيد من الدعم، ويؤيدون مثل هذه الممارسات، التي لا تقتصر فقط على شمال إفريقيا. فالاتحاد الأوروبي وقّع اتفاقيات مماثلة مع حكومة لبنان. بموجبها وتحت بند المساعدات، ستحصل الحكومة اللبنانية على 1.08 مليار دولار. لكن وفقاً لتحقيق شبيغل، هناك تناقض كبير في سياسة الاتحاد الأوروبي، إذ يُزعم أن التمويل مخصص لتحسين إدارة الهجرة بما يتماشى مع حقوق الإنسان! إلا أن الواقع يُظهر أن هذه الأموال تُسهم في ممارسات غير إنسانية. وهذا ما تكشف عنه تصريحات المسؤولين اللبنانيين، وإصرارهم على ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وإرجاعهم إلى إجرام نظام الأسد، والوضع الاقتصادي المتردي.
لذا عزيزتي الألمانية الجديدة، عزيزي الألماني الجديد.. قرارات الاتحاد الأوروبي، لا تخص الأوروبيين فقط، بل لها تأثير كبير فيما يخص أهلنا، وأخوتنا. ممن يبيعون الغالي والنفيس، ويتكبدون عناء الطريق للوصول لحياة آمنة ومستقرة مثلكم تماماً.
ليس بالخبز وحده يحيّا الإنسان
الأمر لا يتعلّق فقط بتوفر الكهرباء والطعام والعمل ضمن بيئة عمل صحية محكومة بقوانين عادلة. بل عليك استخدام حقك بنية تغيير الواقع لك وللآخرين. الأمر بتعلق بواجبك، بسد الطريق أمام القومجية الأوروبيين، الذين يسعون لجعل أوروبا لون واحد فقط. ويكرهون كل ما هو مختلف. وضرورة مساهمتك السياسية، لتأمين مستقبل آمن ومستقر لأولادك، ليحتفظوا بثقافتهم السابقة، دون أن يتعرضوا للتمييز، والعنصرية، والإقصاء.
أعزائي الألمان الجدد، شاركوا في الانتخابات، ولا تقل صوتي لا يهم، أو لا يوجد جدوى من ذلك.. لقد ذكرت لك مثالاً واحداً فقط وهو ما يتعلق بالهجرة، لكن هناك الكثير من الأسباب التي تدعوك للمشاركة. الجواز الأوروبي، ليس فقط لفتح أبواب المطارات أمامك، هو مسؤولية عليك أن تتحملها وتستخدمها. لأن تأثيرها ليس عليك وعلى الأوروبيين فقط، بل تأثيرها يمتد لمستقبل الأبناء وحياتهم القادمة في أوروبا. وكذلك على حياة أهلنا وأخوتنا الذين يتكدسون في المخيمات ويعيشون وسط ظروف ليست إنسانية. وكذلك على حياة جميع الأهل هناك في البلاد. فتمويلات وقرارات الاتحاد الأوروبي، تؤثر بمجريات حياتهم جميعها، كونه أحد القوى العالمية المؤثرة.