ما قصة السيدة المحجبة أمام بوابة برلين؟ إذ نشرت صورة لسيدة محجبة من الخلف وهي تنظر باتجاه بوابة براندنبورغ وسط برلين في سبتمبر/ أيلول 2016! لكن لماذا ما تزال هذه الصورة حاضرة وبشكل مكثف عند نشر موضوعات متعلقة بالإسلام أو اللجوء أو الهجرة في الصحافة الألمانية؟ وما هي خطورة إساءة استخدامها عندما لا تتوافق مع الموضوعات المصاحبة لها؟ وكيف يساعد الإسراف باستخدام صور السيدات المحجبات مع موضوعات اللاجئين والمهاجرين على خلق الارتباط الضمني بأن جميعهم مسلمون؟
الصورة الرمزية!
تستخدم الصور المصاحبة للنصوص المكتوبة كعامل جذب، إذ تساعد علـي لفت انتباه القراء للموضوعات. وفي بعض الأحيان تحفزهم للنقر على الرابط و قراءة النص. ومع ذلك لا يمكن دائماً تجسيد كل الموضوعات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية في صورة فوتوغرافية مباشرة. لذلك تستخدم فرق التحرير الصحفي ما يُعرف بالصور الرمزية. وعادة ما يؤدي استخدام تلك الصور الرمزية إلى الاختزال أو التعميم المشوه عند الاستخدام غير الموفق لتلك الصور. أو إعادة تكرار نفس التكوين البصري.
قصة صورة السيدة المحجبة
في سبتمبر/ أيلول 2016، شهدت برلين انعقاد الدورة العاشرة لمؤتمر الإسلام الألماني “Deutsche Islam Konferenz“. المؤتمر هو منتدى حواري للجمعيات الإسلامية مع الاتحاد والولايات والسلطات المحلية. وقد نشرت وكالة الأنباء الألمانية (DPA) خبراً عن انعقاد المؤتمر وضمنته صورة لسيدة محجبة من الخلف، وهي تنظر باتجاه بوابة برلين الشهيرة. تلك الصورة الرمزية تحولت بمرور السنوات إلى أيقونه تستخدم بشكل مفرط مع الأخبار والموضوعات التي تتعلق ليس فقط بالإسلام! لكن أيضاً بأخبار ومواضيع اللجوء والهجرة! في حين أن كثير من اللاجئين والمهاجرين ليسوا مسلمين، وبالتالي استخدام تلك الصورة لا يتناسب مع مضمون الموضوعات التي تنشر معها. كما أنه يعمل بشكل سلبي على تكوين صورة خاطئة لدى القراء الألمان مضمونها: “كثير من المسلمين يهاجروا أو يلجؤوا إلى ألمانيا”، ما يزيد مخاوفهم من فقدان هوية الدولة المسيحية.
اختزال الإسلام في صورة امرأة محجبة!
صورة تلك السيدة التي تقف أمام البوابة لم تكن الصورة الوحيدة لامرأة محجبة تظهر في الصحافة الألمانية. لكن تكرار هذا التكوين البصري عادة ما يصاحب الموضوعات المتعلقة بالإسلام. ففي أغلب الأحيان تستخدم الصحف والمواقع الألمانية صوراً لسيدات محجبات يظهرن من الخلف فلا نرى وجوههن. على الرغم أن أغلب السيدات المسلمات في ألمانيا لا ترتدين الحجاب. وبالتالي تلك الصورة لا تمثلهن كلهن. كذلك لا يمكن أن تمثل عموم المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا. إن الإسراف باستخدام صور رمزية التي لا تظهر وجوه الأشخاص يخلق حاجز لدي القارئ، فلا يشعر بالتعاطف مع هؤلاء الأشخاص. كذلك يوحي بأن هؤلاء الأشخاص “داخل الصور”، هم مجموعات غريبة لا تنتمي للمجتمع! فلا يمكن رؤية تعبيرات وجوههم سواء كانوا في حالات فرح أو حزن.
يبلغ عدد سكان ألمانيا حالياً قرابة 84.6 مليون نسمة. بينما يبلغ عدد المسلمين نحو 5.5 مليون نسمة. ويمثل الإسلام ثاني أكبر ديانة في ألمانيا بنسبة 6.5% من السكان. ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى 10% بحول عام 2050. ويشكل كل من الهندوس والبوذيين قرابة 1% من السكان، في حين يمثل اليهود نصف بالمائة من تعداد السكان.
هل الإسلام ينتمي إلى ألمانيا؟
ظهرت مقولة “الإسلام ينتمي إلـي ألمانيا” للمرة الأولى عام 2006 حين صرح وزير الداخلية الاتحادية وقتها فولفغانغ شويبله بذلك، خلال افتتاحية مؤتمر الإسلام الألماني في دورته الأولى. وقال شويبله: “الإسلام هو جزء من ألمانيا و أوروبا”. تبع ذلك الرئيس الاتحادي كريستيان فولف خلال خطابه في عيد الوحدة عام 2010 حين قال: “المسيحية تنتمي بلا شك إلى ألمانيا. واليهودية تنتمي بلا شك إلي ألمانيا. هذا هو تاريخنا المسيحي اليهودي. ولكن الإسلام الآن ينتمي أيضاً إلى ألمانيا”. واستمر الجدال حول حقيقة تلك المقولة، وهل تستخدم فقط للاستهلاك السياسي، أم تنفذ على أرض الواقع؟ وهل يشعر المسلمون أنفسهم بجدواها؟
عندما تتناول المقالات موضوعات الاندماج والهجرة بشكل عام و تستخدم صورة السيدة التي ترتدي الحجاب، فإنها لا تستحضر سوى الأشخاص ذوي الأصول المسلمة، والذين يفترض أنهم قادمين من الدول العربية وتركيا وأفغانستان. لكن في الواقع، فإن بلدان المنشأ الرئيسية للمهاجرين إلى ألمانيا هي بولندا وأوروبا الشرقية و إيطاليا واليونان، بالإضافة إلى تركيا وسوريا. وهذا الرابط البصري بين الهجرة والحجاب يخلق لدى القارئ إحساس بأن الأجانب هم دائماً ينتمون للديانة الإسلامية، وبالتالي تلقائياً فإن المسلمين أجانب! لذلك عندما تستخدم مقالات عن مشاكل الاندماج بشكل متكرر صورة لسيدات محجبات، يجعل من الصعب اعتبار المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا منذ سنوات طويلة أو الذين ولودوا هنا، جزءًا مندمجًا أو منتميًا لهذه البلاد!