هل علينا شهر رمضان المبارك، حاملاً معه تباشير الخير والرحمة. وتسابُق الصغير قبل الكبير لصوم أيامه ونيل الكثير من أجره وبركاته. ولكن.. ما هي الحدود التي ترسمها قوانين الدولة الألمانية لصيام أبنائنا في المدارس؟ وما هي الأمور التي يتوجب على كل عائلة معرفتها؟ ما لها وما عليها؟ يجيبنا عن كل هذا الدكتور منير تايك/ المحامي الحقوقي والمستشار القانوني في ألمانيا. ورئيس الشؤون التنظيمية والقانونية، ورئيس مجلس إدارةمنتدى Recht und Islam
مع بداية الشهر الفضيل، قدّم لنا الدكتور تايك “ضمن محاضرةٍ تعريفية قيّمة”، أهم المبادىء والقوانين المتعلقة بصيام الأطفال خلال الدوام المدرسي. فكان لهذه المحاضرة الصدى الواسع والفائدة الكبرى لكل عائلة مسلمة يهمّها التعرف على قوانين الدولة الألمانية. خاصةً فيما يتعلق بالامور الدينية وارتباطها بسلوك أبنائهم داخل المدارس.
لا لتفسير المسائل الدينية أو تقييم ممارساتها
بدأ الدكتور تايك محاضرته بعرض حالة تهم كل عائلة، إذ قدّم مثالاً حيّاً عن معلمٍ للصف السابع يصدر الإعلان التالي للفصل: “بما أن لدينا عدد قليل من المسلمين في الفصل، أردت فقط أن أشير إلى ما يلي: الصيام بلا شك غير صحي، فعدم شرب أي شيء مضر للجسم. حتى مع الصيام المتقطع يمكنك أن ترى أنه لا يمكنك التوقف عن الشرب. بالإضافة إلى ذلك، لا يلزم الإسلام الأطفال بالصيام، لأن أطفال المدارس الصائمين لا يستطيعون التركيز بشكل صحيح على دروسهم. أرى هذا بأم عيني سنة بعد سنة. ولذلك يُعفى أطفال المدارس من الصيام”.
ثم قدّم الدكتور تايك رداً قانونياً -على ما جاء في رسالة المعلم- بالقول: “إن كلام المعلم عن الصيام وتعليماته غير مشروعة، فلا يجوز له تقييم الممارسات الدينية، ولا يجوز له أن يعطي أي تفسير في المسائل الدينية.”، وأضاف: “يأتي هذا ضمن التزام الدولة بضمان الحرية الدينية وفق القانون الأساسي، وأن تكون محايدة تجاه المسائل الدينية والأيديولوجية. المادة 4 الفقرة 1، المادة 3 الفقرة 3، المادة 33 الفقرة 3، وكذلك المادة 136 الفقرة 1 و4 والمادة 137 الفقرة 1 WRV بالتزامن مع المادة 140 GG.”. كما يحظر على الدولة تعريف نفسها بدين أو كنيسة أو طائفة دينية، ولا يجوز لها تقييم أو تحديد محتوى الدين أو المواقف الدينية لمواطنيها.
حرية عدم وجود معتقد ديني والتحرر من تأثير الغير!
وتابع الدكتور تايك عرضه لمثال آخر قائلاً: “في مرحلة الدراسة الثانوية، وفي حال استماع معلم الفصل إلى محادثة بين طالبين لإقناع زميلهما الثالث بالصيام، فمن حقه ان يطلب منهما ترك زميلهما بمفرده، ومنعهما من تشجيعه على الصيام.”
وأضاف: “هنا، يُعتبر منع المعلم قانوني، إذ تشمل حرية الدين المحمية في المادة 4 الفقرة 1 من القانون الأساسي أيضاً حرية الدين السلبية، أي حرية عدم وجود معتقد ديني أو أيديولوجي أو رفضه، والتحرر من التأثير الديني في المدرسة BVerfGE 122، 89 (119). ففي هذا الصدد، كما أن حرية الانخراط في أعمال العبادة مكفولة، فهي مكفولة أيضاً بالابتعاد عن الإيمان غير المشترك. ويجب على الدولة أيضاً أن تضمن عدم تعرض الفرد للتعبير الديني من قبل طرف ثالث خاص، BVerwG، الحكم الصادر في 30. 11. 2011-6 C 20/10، الفقرة 30”.
الصيام محمي بالحرية الدينية حتى سن الرابعة عشرة
آباء الأطفال في سن الـ 15، وأيضاً في سن الـ 10، يعتبرون أن صيام شهر رمضان واجب ديني على أطفالهم، رغم عدم وصولهم لسن البلوغ، لذلك تظهر أحياناً مشادات وخلافات بين أباء هؤلاء الأطفال، وأساتذة المدرسة الذين يعتبرون أن صيام الأطفال في هذه الأعمار، سيؤدي إلى حد قدرتهم على التركيز بالدروس، فيقوموا بالاتصال بالعائلات لأخذ أبنائها من المدرسة، بحجة أن المدرسة لا تستطيع تحمل مسؤولية انهيار الأطفال عندها خلال الدوام.
هنا، يؤكد التقرير أنه لا يمكن للمدرسة أن تطلب اصطحاب الأطفال من قبل ذويهم، ولا أن تمنعهم من الصيام، فبالنسبة لشاب يبلغ من العمر 15 عاماً، فصيامه متعلق بالحرية الدينية وهو محمي.
وحتى صيام الأطفال بعمر 10 سنوات، فإنه محمي بموجب حقوق الوالدين. ذلك أن الأطفال عموماً يصبحون في سن التدين أو مرحلة النضج الديني بدءاً من سن 14 عاماً، ويمكن أن يحتج بحرية الدين وفقاً للمادة 4 الفقرة 1 من القانون الأساسي.
يمارس الآباء هذا الحق حتى يصل أطفالهم إلى مرحلة النضج الديني، ويكون هذا في إطار حقوقهم الأبوية وفقاً للمادة 6 من القانون الأساسي. ويحمي هذا الحق أيضاً النهج الديني للصيام،حتى بالنسبة للأطفال الذين لم يصوموا بعد البلوغ، يعني أنه لا ينبغي منع الصيام في جميع المجالات. ولكن في حالات فردية، يُمنع الصيام إذا كانت صحة الطفل معرضة للخطر. وقد يُسمح للمدرسة اتصالها بأولياء الأمور للقدوم واصطحاب الطالب الصائم فقط في حال إصابته بالدوار المهدد بالانهيار داخل الفصل.
عدم التركيز لا يبرر مطالبة الوالدين باصطحاب طفلهم
لا يُطلب من الطلاب التواجد جسدياً فحسب، بل يُطلب منهم أيضاً المشاركة في الفصل وإكمال العمل المطلوب وإكمال الواجبات المنزلية. يقع على عاتق آباء الطلاب القاصرين واجب التعاون .على سبيل المثال المادة 69 الفقرة HSchG، لكنّ الافتقار إلى التركيز لا يبرر مطالبة الوالدين باصطحاب الطفل. نظراً للتفويض التعليمي للدولة (المادة 7 الفقرة 1 GG)، فإن المدرسة ملزمة بحماية الطلاب الموكلين إليها من الأذى، وإذا أصيب الطلاب بالمرض، فلن تكون هناك حاجة إلى رعاية طبية فورية ويجب على المدرسة الترتيب مع أولياء الأمور لاستلامهم.
لا للإعفاء من دروس التربية البدنية!
يحق للمدرسة رفض إعفاء الطلاب من الرياضة، فدروس التربية البدنية إجبارية كأي دروس أخرى. ولا يجوز الاستثناء منها إلا في حالات استثنائية. كما ليس هناك ما يمنع شرعاً أن يشارك الطالب في دروس التربية البدنية. فالحرية الدينية (المادة 4 الفقرة 1 GG) والتفويض التعليمي للدولة (المادة 7 الفقرة 1 GG)، والتي يتبعها التعليم الإلزامي، لهما نفس القدر من الأهمية.
ينبغي للمدارس أن تساعد في تدريب الأفراد لكي يصبحوا “مواطنين مسؤولين” تجاه الكل، وبالتالي القيام بوظيفة التكامل التي تشكل ضرورة أساسية للمجتمع. ولن تكون هذه الوظيفة فعّالة بالكامل إلا إذا اضطرت الدولة إلى مواءمة تصميم المدرسة والتعليم مع أدنى قاسم مشترك. “لذلك لا يتم تبرير الإعفاءات من الدروس إلا في حالات استثنائية عندما يكون الضعف خطيراً بشكل خاص. (BVerwG، الحكم الصادر في 11 سبتمبر، 2013-6 ج 12.12).
هل يمكن للمدرسة إشراك مكتب رعاية الشباب؟
ختم الدكتور تايك محاضرته بالإجابة على هذا السؤال الذي يهم كل عائلة ويجعلها في قلق دائم: “يُسمح للمدرسة بالاتصال بمكتب رعاية الشباب إذا أصبحت على علم بالحقائق التي تشير إلى أن صحة الطالب معرضة للخطر أو الضرر بشكل كبير وأن تدابير رعاية الشباب باتت ضرورية لذلك، في هذه الحالة، يجب على المدرسة إبلاغ مكتب رعاية الشباب المسؤول وفق المادة (3 الفقرة 10 HSchG، المادة 31 الفقرة 1 ص 2 EUG”.
- إعداد وتقرير: خلود فاخرة