منذ سنة، وبمناسبة يوم استقلال أوكرانيا، أطلقنا في مشروع أمل صفحة أمل باللغة الأوكرانية. الأمر الذي نفخر به، كونه جاء ردة فعل لأعداد اللاجئين/ ات الأوكران الذين جاءوا إلى ألمانيا نتيجة الغزو الروسي لبلادهم. ولتكون منصة لهم/ هن للتعبير عن أفكارهم/ هن، وللتعرف على المجتمع الألماني، والنشاطات، والسياسة، مع أن الأخيرة وبحسب النقاشات التي كانت تدور بيننا وبين الزميلات في القسم الأوكراني لا تلقى اهتماماً واسعاً.
جمهور مختلف لمنصة أمل بالأوكراني
خلال العام الذي مرّ على تأسيس أمل بالأوكراني، وبناء على النقاشات التي تدور يومياً أثناء الإعداد للأخبار التي ستُنشر على صفحات أمل. تبين لنا أن الاهتمامات لدى الجمهور الأوكراني مختلفة تماماً. فبينما نسعى في القسم العربي والفارسي، لانتقاء الأخبار السياسية، والأحداث المهمة، وكذلك الجرائم والمشاكل التي تحدث في المجتمع المحلي بشكل خاص والألماني بشكل عام، غالباً ما تختار الزميلات الأوكرانيات أخباراً مختلفة، سواء تلك التي تتعلق بالنشاطات، أو بالفعاليات التي تُنظم لدعم نضال الشعب الأوكراني ضد العدو الروسي. أو بالمعارض الفنية، والحفلات الموسيقية، والأفلام التي يتم العمل عليها من قبل أوكرانيات أو أوكران، أو حتى ألمان. وكذلك الوجهات السياحية ببرلين وألمانيا ككل. الأمر الذي دعاني للتفكير بالأسباب التي تقف وراء هذا الاختلاف بين الجمهور العربي والجمهور الأوكراني الموجودون في برلين أو هامبورغ أو فرانكفورت ومدن ألمانيا أخرى، والذين يعيشون ذات الظروف، وعايشوا ظروف الحرب أيضاً إذ لم نقل ذاتها، لنقل أنها متشابهة بنتائجها، سواء الدمار، والفقدان!
التسهيلات القانونية!
بدا لي بعد عدّة نقاشات، وقراءات، أن السياسة تلعب دوراً في ذلك. فاللاجئين الأوكران والذين معظمهم من النساء والأطفال، حصلوا على تسهيلات، لم تكن مُتاحة للاجئين الآخرين. وخاصة فيما يتعلق بالأوراق الثبوتية والإقامة. بالتالي لن يكون هناك اهتمام لديهم بالترحيل، ولا بصعود اليمين المتطرف في استطلاعات الرأي، ولا بتصريحات وزيرة الداخلية الرنّانة بشأن وقف الهجرة (غير الشرعية) بحسب وصفها. وهنا لا انتقد هذه التسهيلات، بقدر ما أطلب أن يتم العمل بمبدأ المعاملة بالمثل.
الأمر الآخر الذي توصلت إليه، هو الأمل بالعودة القريبة إلى وطنهم الأم. فنحن أو أنا حتى لا يقال أنني أعمم، فقدت الأمل بالعودة إلى سوريا. ولم أعد أفكر بها. نتيجة أسباب كثيرة، منها عدم صلاحية النظام المستبد الحاكم هناك، وعدم جدية العالم أو القوى العالمية بالتخلص منه. أما في أوكرانيا فالوضع مختلف تماماً. فهناك دعم كبير للحكومة الأوكرانية في مواجهتها للغزو الروسي ليس من ألمانيا فقط، بل أيضاً من قوى عالمية أخرى. ناهيك عن السعي الدائم لهذه القوى لإنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا. وبالتالي من الطبيعي أن ينعكس ذلك على اهتمامات الجمهور. فالأمر وأتمنى أن يكون كذلك، ليس سوى مسألة وقت، وستكون بلادهم بانتظارهم!
البيروقراطية عدو الجميع
في ذات الوقت هناك العديد من الأمور التي تلقى اهتمام كل القراء بغض النظر عن اللغة التي تُكتب بها. فالبحث المرير عن سكن مناسب في المدن الكبرى، وعدد الشقق، والقرارات المتعلقة بذلك، تلقى اهتمام الجمهورين العربي والأوكراني. لأنها مشاكل عامة، حتى لا يكاد ينجو منها الألماني نفسه، إذا استثنينا من ذلك التمييز والعنصرية!
وكذلك الأماكن القليلة في رياض الأطفال، وفترات الانتظار الطويلة للحصول على موعد طبيب، تأخيرات القطارات، وأعمال البناء التي لا تنتهي في العاصمة، والطقس المزاجي، كلها تهم القادمين الجدد أو القدامى في كلا القسمين العربي والأوكراني. وفوق ذلك كله تعلم اللغة الألمانية التي قال عنها الكاتب الأمريكي مارك توين “إن الحياة أقصر من أن تقضيها في تعلم الألمانية”!
في النهاية، لكل جمهور اهتمامه، ولكل همومه، بسبب اختلاف الظروف والثقافة، وهذا الأمر ليس سلبياً، بقدر ما هو نقطة إيجابية. فاللوحة البيضاء لا تثير اهتمام أحد، لكن إذا كانت ملونة قد تجذب المارة ليتوقفوا ويلقوا نظرة عليها. وكذلك (مشروع أمل) سيبقى متنوعاً، يكتب بالسياسة، وفي نفس الوقت عن ولادة دب قطبي بحديقة الحيوان! ومنصة أمل تكبر بجميع القراء، وتسعى دائماً لتنقل المعلومة الصحيحة. وتذكروا أن أخباركم أخبارنا!