“ضاع ولدي مني، الآن هو مدمن مخدرات حدث هذا من المدرسة وأثناء رحلات المدارس”! هكذا قالت أم يحيى وهي تبكي، بعد أن سمحت لطفلها في المدرسة بالمشاركةِ برحلةٍ مدرسية انتهت بإدمانه للمخدرات كما تقول. فوضعت قيوداً على أنشطة طفليها الآخرين في مدرستهما خوفاً من ذات المصير.
بين مطرقة الاندماج وسندان الانعزال!
يعاني العرب والمسلمون في ألمانيا من ثنائيةِ الثقافةِ الأصلية التي قدِموا منها والواقعية في مجتمعهم الجديد كمحددٍ جوهري لتربية أطفالهم، ولا يوجد معادلة مثالية للواقفين على حافةِ الثقافات المتناقضة بالنسبة لتربية الأبناء. فالاندماج التام معضلة والانعزال التام مرضٌ أيضاً، وبينهما هوة رعب وحيرة يعيشها الآباءُ والأمهات.
أما سارة فلا تضع حواجز أمام طفلتها ذات التسع سنوات بموضوع الانفتاح على المجتمع الألماني والمشاركة في الأنشطةِ والرحلاتِ المدرسية. فهي تؤمنُ بضرورةِ أن يرى الطفلُ كل شيء، ويعرف حدود تعامله مع هذه الأشياء في ذات الوقت. وتمنح طفلتها المولودة في ألمانيا لوالدين عربيين هذا الحق. إذ تتعامل معها كصديقة وتحرص على أن تكون مرجعها في أي سؤال حتى لا تتعرض للتضليل في حال البحث عن إجابة من طرف غير موثوق.
صعوبة تقبل ثقافة المجتمع أحيانًا
بين سارة وأم يحيى تقف حالات لا معدودة بعد أن شهدت ألمانيا مجيء الآلاف إليها من بلدان الصراع، بحثاً عن فرصةِ حياةٍ كريمة. لكنهم لا يتقبلون ثقافة المجتمع الألماني بسهولة، خاصةً تلك التي تخترق جدران العائلة وتصل إلى الأطفال مباشرة. حيث يولد الطفل العربي مكبلاً بقيودٍ مجتمعه، وتعيش الفتاةُ على شمَّاعة سمعة أسرتها إن مارست ما يُعد جزءاً من حريتها الشخصية في ألمانيا. كالعلاقاتِ العاطفيةِ أو الجنسية، ولهذا ترفض الكثير من الأُسر مشاركة أطفالها الذكور والإناث أيضاً في الأنشطةِ المدرسية التي تتطلب غياباً عن المنزل لأيام، خوفاً من خوض تجارب تتنافى مع الثقافةِ الأصلية.
على الجانب الآخر تُسارع بعض الأسر العربية بإرسال بناتها إلى موطنها الأصلي عند بلوغ الـ 16 من عمرها، هرباً من هكذا احتمالات. والبعض الآخر يقوم بتزويجها في سنٍ مبكرة لذات الغرض “ليحد من حركتها ويصون عفتها” حسب تعبير أبو حامد. أما البعض الآخر فيقوم بالاستثمار عن طريق تزويج بناته بمبالغ مرتفعة تصل إلى 20 ألف يورو يدفعها الزوج!
الصعوبات التي تواجه المهاجرين إلى ألمانيا من بلدان عربية وإسلامية كثيرة. تعيق الاندماج في المجتمع نتيجة ممارسات قد تبدو بسيطة وطبيعية لكنها تؤدي إلى نتائج غير مرئية مستقبلاً.
الأعياد وطقوسها
ليست هذه المشكلة الوحيدة التي تعاني منها الأسر العربية والإسلامية في المدارس على حد تعبير ربتي أسرة من اليمن وإيران تقيمان في ألمانيا. حيث اتفقتا على أن جزئية الإفصاح عن كيفية قضاء الإجازات الذي يبدو تقليداً في المدارس الألمانية. يؤدي إلى عزوف أبنائهن عن الحضور للمدرسة خاصة بعد إجازة أعياد الميلاد، هرباً من الإجابات التي تحرجهم أمام أقرانهم الألمان!
فالعربي بطبعه يقضي إجازاته في أجواء أسرية وغالباً داخل المنزل تعويضاً عن الغياب اليومي وعدم اللقاء بجميع أفراد الأسرة خلال أيام العمل. بينما الألماني يقضي إجازته غالباً في التنزه خارج المنزل برفقة أسرته، ولذلك يرى أن البقاء داخل المنزل خلال الإجازات مسألة غير منطقية! وعندما يشعر العرب والمسلمون بذلك يشعرون بالانزعاج، بل ويتعرضون للتنمر أحياناً. فيمتنعوا عن حضور الأيام الأولى للدوام بعد الإجازات الرسمية، خاصة وأنه ليس لهم إجازات في أعيادهم الدينية، على غِرار أقرانهم الألمان.
ضرورة تعديل تقويم الأعياد الدينية
تقول شادية وهي قادمة من أفغانستان: “ألمانيا أصبحت بلد هجرة ولدينا أيضاً أعيادنا الدينية، لماذا لا يتم إعطاء إجازة رسمية في المدارس ولو ليومٍ واحد ويتم الشرح للطلاب الألمان أن هذا بمناسبة أعياد العرب والمسلمين، كنوع من الاندماج والتعريف بثقافة الآخر الذي أصبح جزءاً من ألمانيا حتى وإن اختلفت الديانات والألوان!”.
تقتصر مشاركة الألمان رسمياً في الأعياد الدينية الإسلامية على تهنئة الرئيس الألماني للعرب والمسلمين في الإعلام، وهذا أمر لا يخص الأطفال، رغم أنه لفتة سياسية وإنسانية جميلة تعكس مدى تقبل الآخر. لكنه لا يخفف من أعباءِ الأسر التي تضطر للشرح والتبرير لاختلاف الثقافات، وتعاني غربة أبنائها عن الثقافة التي أصبحوا جزءاً منها وهي جزء من هويتهم أيضاً.
التربية عملية متكاملة بين المدرسة والبيت!
ولكي نعطي الموضوع حقه في معرفة التفاصيل، كان لابد من الاستماع الى رأي معلمة تعمل في مدرسة لطلاب، لمعرفة أصل المخاوف التي لدى الأسر. فهل فعلاً يبدأ جذرها من المدرسة؟
ردت قائلة: “فيما يتعلق بالمخاوف من حصول الأطفال على مواد محظورة كالحشيش داخل المدارس أو عبر زملائهم في الرحلات، يجب أن يعرف الجميع أن هناك إجراءات صارمة تتخذها المدرسة لحماية الطفل أثناء الدوام المدرسي سواء من خلال التوعية أو مراقبة الأداء الدراسي والسلوكي.. والأمر نفسه يُطبق في الرحلات، نحن لا نترك الأطفال أو حتى الشباب البالغين لوحدهم دون متابعة وإشراف من قبل معلم لكل مجموعة من الطلاب”.
لكنها رغم هذه التطمينات، لا تُنفي مسألة انتشار الحشيش بين الطلاب وحتى تعاطي الكحول، لكنه يحدث بعد الدوام وخارج المدرسة وليس داخلها. وهنا حماية الطفل وتوعيته ليست مسؤولية المدرسة أو المعلمين، وبالتالي يجب على الأسرة أن تبني علاقة قوية مع أبنائها وتعرف أنشطتهم وأصدقائهم، فالأسرة هي المسؤول الأول عن الطفل.
أن ينمو طفلك منقسماً بين ثقافة أسرته وثقافة مجتمعه الجديد، مسألة تستنفذ الكثير من الجهد والوقت حتى لا يتعرض للعنة انقسام الهوية، والأمر يحتاج أكثر من مجرد اجتهاد شخصي..