بصوت واثق، وباللغة الألمانية، تحدثت رهام هواش عن تجربتها الشخصية ومشاعرها تجاه مقاضاة – أنور. ر- في محكمة كوبلنز الإقليمية العليا، على جرائمه التي ارتكبها خلال وجوده في ماكينة النظام السوري الأمنية الدموية، قبل أن ينشق ويأتي إلى ألمانيا، ويلحق بالذين تركوا سوريا هربًا منه ومن أمثاله، ومن النظام الذي عاش بكنفه لعقود، ومارس البطش لحسابه دون رادع أو ضمير.. قالت هواش: “بالنسبة لي، المشاركة بمقاضاة أنور لم تكن للانتقام، ولكن من أجل ممارسة حقي”. وأضافت: “قدمت أقوالي للمحكمة باللغة الألمانية، لأنني تعلمت كل شيء عن المحاكمة والكلمات والمفردات الجنائية، كل شيء.. أردت أن أعطي القضاة الألمان فرصة الاستماع لشهادتي بلغتهم، وليس بلغة غريبة عليهم، إذ تكفي غرابة القصة”.
محاكمة الخطيب بين مؤيد ومعارض
في كانون الثاني/ يناير مطلع العام 2022، أصدرت محكمة كوبلنز الإقليمية العليا حكمًا تاريخيًا بالسجن مدى الحياة على مسؤول سابق بمخابرات النظام السوري يدعى أنور. ر، لارتكابه جرائم ضد الإنسانية في سوريا.
محاكمة أنور. ر، والمعروفة إعلاميًا بقضية الخطيب (نسبة لفرع المخابرات السوري المروّع)، شأنها شأن الكثير من الأمور التي شهدت نقاشًا سوريًا رافق مجرياتها، بين من رأى أن محاكمة مسؤول سابق منشق عن النظام السوري يصب في مصلحة الأسد ويدفع المسؤولين الآخرين للاستمرار بالوقوف إلى جانب النظام، ومن رأى أن الانشقاق بحد ذاته ليس وثيقة براءة من الممارسات الإجرامية المرتكبة سابقًا!
المدّعون والشهود وهيئة الدفاع، جميع هؤلاء وكونهم أطراف متأثرة مباشرةً، يرون أن محاكمة أنور كانت بمثابة تذكير للمجتمع الدولي، وتحقيق العدالة لمجموعة من الضحايا، وإن كان يصعب تحقيق العدالة لجميع ضحايا النظام السوري، والذين تتجاوز أعدادهم مئات الآلاف.
التوثيق بداية الطريق
المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ECCHR، والوكالة الاتحادية للتثقيق السياسي bpb، احتفلوا في برلين مؤخرًا باطلاق كتاب “محاكمة جلادي الدولة السورية”، والذي يعتبره الناشر والمشاركات والمشاركون في كتابته، نوعًا من التوثيق الضروري الذي مهما طال الزمن، سيكون حجة لملاحقة الجناة، وسعيًا حثيثًا لإبقاء ذكرى الضحايا حية، رغم اختلاف سياسات الدول ومصالحها، ومحاولتها تعويم النظام السوري الضالع بجرائم ضد الإنسانية يندى لها الجبين. الكتاب والذي جاء بـ 3 لغات، هي العربية والألمانية والإنكليزية، يتضمن 3 أجزاء، الأول تحت عنوان (انطباعات من كوبلنز وما بعدها). الجزء الثاني (الانتفاضة الديمقراطية والتعذيب في سوريا)، والجزء الثالث (القانون الجنائي الدولي في ألمانيا). ويتضمن صورًا ورسومًا من المحاكمة والفعاليات التي رافقتها.
أهمية دعم المنظمات المدنية السورية
الناشر باتريك كروكر من مركز ECCHR، قال خلال حفل تقديم الكتاب: “دون دعم المنظمات المدنية السورية، ما كان يمكن إجراء محاكمة الخطيب، فهؤلاء الذين قاموا بجمع الأدلة والشهادات منذ عام 2011، كانت مجهوداتهم الأساس الذي اعتمدنا عليه أمام القضاء الألماني”.
من جانبها انتقدت الصحفية هانا الهيتامي غياب الترجمة إلى لغة الضحايا والجاني في محكمة كوبلنز، وقالت إن بيروقراطية الدولة الألمانية حالت دون وصول أوسع لمجريات المحكمة باللغة العربية، حتى الصحفيين لم يحصلوا على ترجمة بالعربية. وأضافت: “لا أعتقد أن محاكمة الخطيب ساهمت بتحقيق العدالة وتكريم الضحايا وحدها، لأنها جرت باللغة الألمانية. لكن منظمات المجتمع المدني السورية اجتهدت ونشرت المعلومات وأقامت العديد من الفعاليات الفنية خارج قاعة المحكمة، والتي ساهمت بتسليط الضوء أكثر على المحاكمة، وأعتقد أن المعنى والمغذى الأساسي من محاكمة الخطيب ما كان ليتحقق دون مساهمة المجتمع المدني”.
كما تضمن حفل الاطلاق حلقة نقاش حول (العدل والذكرى والفن: وجهات نظر من أجل سوريا) شارك فيها فلوريان جيسبرغر، أستاذ القانون الجنائي الدولي في جامعة هومبولدت، والفنان والناشط خالد بركة، والكاتبة الروائية السورية روزا ياسين، والمحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان جمانة سيف. وشهد الحفل حضورًا واسعًا، بالإضاقة إلى العرض الموسيقي (ثلاثي) وسيم مقداد.
- يشار إلى أن الكتاب سيكون متوفرًا بسعر رمزي اعتبارًا من الأسبوع المقبل..