تثير قضية ارتداء الحجاب حنق اللاجئات في ألمانيا، فحسب آرائهن يبدوا التمييز واضحاً أثناء البحث عن فرص عمل، بحيث ترفض طلبات التوظيف لدى المحجبات لمجرد نظر مسؤولي التوظيف للصورة الشخصية في السيرة الذاتية! لكن في الجهة المقابلة يرفضن محجبات أخريات هذه الادعاءات، ويؤكدن أن الحجاب لا يشكل عائقاً يقف في وجه النسوة أثناء البحث عن عمل أو خلال العمل مع الزملاء، فهناك أمور جوهرية يقف عندها الألمان كالمؤهلات العلمية والخبرة، وما بين هذه الآراء تطفو على السطح تساؤلات كثيرة حول الحجاب، هل نالت المرأة المحجبة حقها بالإندماج والعمل؟ ولماذا بقي السواد الأعظم منهن دون عمل رغم امتلاكهن المؤهلات والخبرات اللازمة؟
مؤهلات وخبرات
صبا التميمي قدمت من العراق وهي حاصلة على إجازة جامعية في اللغة الفرنسية والإنكليزية من جامعة بغداد، عملت في تدريس اللغتين الفرنسية والإنكليزية وبمجال الترجمة أيضاً لمدة 15 عاماً، عندما وصلت إلى ألمانيا كان هدفها العمل في مجال التدريس كونها تعشق مهنتها، فثابرت لتحصل على مستوى اللغة الألمانية (بي 1، بي 2) ، وحاولت العمل كمدرّسة إلا أنها تفاجأت بقوانين التدريس التي تمنع المرأة من ارتداء الحجاب لإعتباره رمزا ً دينياً!
تقول التميمي: “سعيت جاهدةً لأعمل كمعلمة، إلا أني لم أحصل على مرادي! فقررت أن أعمل في مجال آخر، ظننت في البداية أن منع ارتداء الحجاب فقط في مجال التدريس! إلا أني لاحظت في وقت لاحق بأن أغلب قطاعات العمل في ألمانيا يرفضون ارتداء النسوة للحجاب! وإن لم يكن الرفض ظاهراً وصريحاً فهم يختلقون حجج واهية لرفض المحجبة المتقدمة للوظيفة”.
وتتابع: “أرسلت ما يزيد على 100 طلب توظيف خلال ستة أشهر، طلبات كانت بصورة شخصية وأخرى بدون صورة، كما أجريت خمسة مقابلات في مجالات عمل متنوعة إلا أني لم أحظى بأية وظيفة! فالرفض كان إما بسبب صورتي الشخصية التي أرتدي فيها الحجاب أو بسبب تفاجؤ مسؤول العمل من ارتدائي للحجاب خلال المقابلة الشخصية”!
فجوة كبيرة
وتضيف التميمي: “من وجهة نظري يوجد فجوة كبيرة بيننا كمحجبات وبين المجتمع الألماني، فأغلب الألمان يعتقدون أنه لا يمكننا الاندماج في مجتمعهم، طالما نرتدي الحجاب فهم ينظرون لقضية الحجاب على أنه نتيجة مفرزات اجتماعية متخلفة، وكل من تخلع الحجاب تتحرر من هذه التبعية”!
وضربت التميمي مثلاً على التمييز الحاصل ضد المحجبات قائلة: “تم قبولي كبائعة في إحدى مراكز البيع بعد أن ارتديت قبعة، وكنت أعمل بجد ونشاط، ولكني كنت أتعرض لمضايقات سواءا من قبل زملائي أو من قبل الزبائن، وفي النهاية تم فسخ عقدي بمجرد انتهاء الفترة التجريبة”.
خلع الحجاب
أما فاتن عرنوس فقد كانت تعمل ممرضة بمدينة دمشق، ونتيجة الحرب اضطرت أن تهرب وعائلتها إلى ألمانيا، حيث اضطرت إلى خلع حجابها بعد معاناة طويلة في البحث عن عمل مناسب، وهي تعمل حالياً بمشفى بمدينة كيل، أكدت قائلة: “أرسلت طلبات توظيف عديدة بمجال التمريض ولم أتلق رداً بتاتاً رغم امتلاكي المؤهلات والخبرات اللازمة! فقررت إرسال سيرتي الذاتية مع صورة بلا حجاب، وما أن أرسلتها حتى تم الاتصال بي لإجراء مقابلة! فاضطررت لمقابلة المدير دون حجاب، وتم قبولي مباشرة بالوظيفة، فكنت أخلع الحجاب في المشفى، ثم أرتديه لدى عودتي إلى البيت”.
وتضيف عرنوس: “يزعجني هذا الأمركثيراً ولكن لم أجد خيار آخر لوضعي، وأسعى حالياً للحصول على الجنسية الألمانية، كي أسافر وعائلتي إلى بلد عربي يفهم معنى الحجاب وقدسيته”.
وتتساءل قائلة: “في ألمانيا يدافعون بقوة على حرية المرأة وحقوقها وحمايتها من كل أذى يحدق بها، أفلا يعتبر التمييز ضد المرأة المحجبة انتهاكاً لحريتها؟ يجب على كل من يدافع عن حقوق المرأة أن يقرن القول بالفعل”.
تجارب إيجابية
هناك محجبات أخريات كانت لهنّ أراء مختلفة كما هو الحال مع اللاجئة السورية ثراء عبد الواحد الحاصلة على شهادة هندسة مدنية من جامعة دمشق، باعتبارها تحتاج إلى خبرة عمل في ألمانيا فلم تتمكن من العمل بمجال اختصاصها! فقررت تغيير مهنتها بأن تعمل في مجال الإسعاف السريع أكدت قائلةً: “أعمل بمجال اسعاف المرضى بالصليب الأحمر بمدينة غوتنغن، لم يكن الحجاب عبء على حياتي وعملي في ألمانيا، رغم أن عملي فيه اختلاط كثير مع العاملين الأجانب! كما لم يتبادر لذهني ولو لمرة واحدة، أن حجابي يعد محل خلاف أويشكل فجوة للتواصل بيني وبين زملائي وزميلاتي، بل على العكس تماماً، فالكثير من زميلاتي يؤكدّن أن حجابي يزيد من أناقتي”.
- إعداد وتقرير: عدنان كدم