هل سبق وتناولتم الحشرات في وجبة ما؟ من المرجح أن إجابتكم ستكون “لا”! ولكن دعوني أخبركم بأن إجابتكم غير صحيحة على الإطلاق! لأننا جميعاً وربما دون استثناء أيضاً، تناولنا خلال حياتنا بشكلٍ أو بأخر أحد أنواعها، بل إن معظمنا يتناولها بشكل دوري أيضاً دون أن يعلم! ولكن كيف؟
بوظة بالحشرات!
شاهدتُ منذ بضعة أيام تقريراً مصوّراً على إحدى القنوات الألمانية يتحدث عن محل لبيع البوظة، بدأ ببيع نوع من المثلجات المخلوطة بالحشرات، وذلك بعد صدور قرار من الاتحاد الأوروبي، يسمح بمزج مساحيق الحشرات بالأغذية! راودني السؤال على الفور: “هل هناك قرار بهذا الشأن فعلاً؟” توجهت بدوري إلى الصفحة الرسمية للحكومة الاتحادية للتأكد من صحة المعلومة وللاستفسار أكثر حول الموضوع، ووجدت بالفعل نص القرار، والذي يشير بشكل واضح إلى أن الاتحاد الأوروبي وافق في 24 كانون الثاني/ يناير هذا العام على استخدام دودة الجاموس كحشرة رابعة يمكن استخدامها كغذاء في دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب ثلاث حشرات أخريات كان قد وافق عليها سابقاً! وهم دودة الطحين والجراد المهاجر وصرصور الحقل! ونص القرار أيضاً على أن الشركات المصنعة للأغذية التي تريد إدخال الحشرات بأغذيتها، ملزمة بذكر ذلك بشكل واضح في قائمة المكونات.
نحن نأكل الحشرات بشكل أو بأخر!
قد تكونون على دراية بأن تناول الحشرات أمرٌ شائعٌ جداً في دول آسيوية مثل تايلاند والصين واليابان، وأن هناك أسواق كبيرة لبيع الحشرات تشبه بشكل كبير أسواق الخضار في بلداننا. ولكن ربما لا تعلمون أن الحشرات تدخل في نظامنا الغذائي كما هو الحال في تلك الدول. ففي مقال قرأته على موقع الباحثون السوريين نقلو فيه عن الموقع الشهير FOOD INFO، صُدمت عندما عرفت، بأن الملونات الطبيعية مثل الكوشنيل والكارمين وحمض الكارمينيك، والتي تستخدم لتلوين الحلويات والمشروبات والأيس كريم والشيبس وغيرهم من المواد الغذائية، بالإضافة إلى بعض الأدوية، تستخرج من جسم وبيوض حشرة الدودة القرمزية المعروفة علمياً باسم Dactylopius coccus، لأن تلك الملونات تتميز بأنها أكثر الملونات الطبيعية ثباتاً أمام الضوء والحرارة، كما أنها مقاومة للأكسدة!
الإنسان عدو ما يجهل
وأثناء بحثي حول الموضوع تواصلت مع زميلي أحمد، والذي لديه تجارب سابقة بتناول أنواع من الجراد والدود (شرانق الفراشات)، وسألته ببساطة: ” كيف كانت تجربتك مع تناول الحشرات؟”. بادرني أحمد بالقول إن هناك معلومات خاطئة منتشرة حول الموضوع، منها أن الجراد يتغذى مثلاً على القمامة، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق، لأن الجراد يتغذى بشكل أساسي على المواد النباتية مثل الثمار والبذور. وبرر لي وجهة نظره حول تناول الحشرات بعد أن أبديت له تقززي من فكرة أكل الجراد قائلاً: “نحن –العرب- نتناول حيوانات مقززة أكثر من الجراد ولكن نستسيغها بحكم تربيتنا الثقافية، فمثلاً من الطبيعي جداً أن تجد الأشخاص في سوريا يقبلون على تناول أمعاء أو رأس الخاروف أو أجزاء من جهازه التناسلي أو حتى أرجل الضفادع، رغم أن الحشرات أكثر فائدة منهم صحياً، ليس هذا فحسب، بل إن بعض الناس في الجزيرة العربية مثلاً يأكلون الضبَّان وزواحف الصحراء والأفاعي، فلماذا علينا التقزز من الحشرات؟”.
ماذا يقول العلم؟
وفقاً لدراسة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) مع جامعة فاغننغين الهولندية عام 2013، تبين أن بعض الحشرات غنية بالبروتين والدهون الجيدة والكالسيوم، فعلى سبيل المثال يحتوي كل مئة غرام من اللحم البقري على ستة ملليغرامات من الحديد، بينما يحتوي نفس الوزن من الجراد على نحو ثمانية وعشرين ملليغراماً من الحديد، حسب خصائص الحشرة ونوعية غذائها! كما تشير دراسات أخرى إلى أن استخدام الحشرات يساهم بتقليل الضغط على مصادر اللحوم الأخرى، خصوصاً مع ازدياد عدد سكان الأرض والذي سيقارب الـ 8.5 مليار نسمة بحدود عام 2030.
من جهة ثانية يقول الباحثون إن تناول الحشرات يمكن أن يكون بديلاً صحياً وحلاً مستداماً لمشاكل تغير المناخ! لأن تأثير تربية الحشرات على البيئة أقل مقارنة بتربية الحيوانات الأخرى كالبقر والدواجن، والتي تفرز كميات هائلة من غاز الميثان الناتج عن هضم الطعام، والذي يعتبر أحد أكثر الغازات تأثيراً على تغير المناخ. كما ويرى الباحثون أن تربية الأبقار والخراف تحتاج إلى مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية ومياه الشرب، وهذا ما يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية، لأن رعايتها تتطلب تحويل الغابات والأراضي البرية إلى مزارع تربية ماشية، وهذا ما يساهم بفقدان التنوع البيولوجي والتدهور البيئي.
ختاماً، يبدو أن الحشرات ستَدخل أو تُدخل على نظامنا الغذائي في المستقبل القريب، إذا ما أردنا حماية كوكبنا، أو على الأقل هذا ما يقوله الباحثون والعلماء!