حاول العديد من القادمين الجدد في ألمانيا، العمل بمهن مختلفة وافتتاح مشاريع متنوعة، إلا أنهم صدموا بعقبات وإجراءات صارمة ما أنزل الله بها من سلطان! هذه المنغصات شكلت حجر عثرة في وجه طموحاتهم، فهي بالنسبة لهم كالصخرة التي تتحطم عليها آمالهم! ويأمل هؤلاء من الحكومة الألمانية أن تسّن قوانين وتشريعات تصب بمصلحة العاملين، كأن تخلق فرص عمل كثيرة وتهيئ بيئة استثمارية مناسبة تعم بالفائدة على الجميع.
عمل شحيح
علي عبد الله شاب سوري جاء إلى ألمانيا عام 2015، خريج كلية الإعلام جامعة دمشق، عمل صحفياً في الوكالة السورية للأنباء (سانا)، كما عمل في صحف ومجلات مختلفة، أكد قائلاً: “كنت أرغب بالعمل في الصحافة الألمانية كي أستفيد من خبرتي المهنية، إلا أني لم أستطع تحقيق مبتغاي باعتبار العمل في الصحف الألمانية يحتاج إلى مستوى عالٍ من اللغة، لذلك سعيت جاهداً للعمل بالقسم العربي في موقع دويتشه فيليه، إلا أنه لم يتم قبولي! كما أطلقتُ منصة الكترونية عام 2020 بمساعدة مجموعة من الزملاء الصحفيين حملت اسم (لؤلؤة الشرق)، لكن لم تستمر هذه المنصة لقلة التمويل! ومنذ ذلك الحين أبحث عن فرصة عمل بمجال الصحافة أو أي مجال آخر قريب لها يتناسب مع شهادتي الدراسية”.
ويضيف العبد الله: “أناشد الجهات المسؤولة في ألمانيا مساعدة كل الجامعيين السوريين الباحثين عن عمل، لإيجاد أعمال مناسبة لهم تتساوى وتحصيلهم العلمي والمهني”.
عقبات صعبة
محمد حاجي عمل في سوريا بمجال الدهان والديكور لمدة سبع سنوات، ثم سافر إلى الإمارات وعمل هناك مدة تسع سنوات، بعدها جاء إلى ألمانيا ولم يستطع العمل بمهنته رغم خبرته الطويلة، أوضح قائلاً: “واجهت عقبات عديدة أثناء قدومي إلى ألمانيا، أهمها مشكلة اللغة الألمانية، بحيث لم أتمكن من تعلم اللغة لأسباب نفسية تتعلق بعائلتي الموجودة في سوريا، فقد كنت أذهب إلى المدرسة وكامل تفكيري مع عائلتي هناك، ناهيك أنه أثناء فترة دراستي كنت أتكلم فقط مع أبناء جلدتي بلغتي الأم، ولم أتكلم اللغة الألمانية مع زملائي الآخرين! فاستغرق اندماجي بالمجتمع الألماني سنوات عديدة”.
وتابع حاجي: “حاولت العمل بمجال الديكور إلا أن الشركة المعنية بالأمر طلبت مني شهادة تدريب (Ausbildung) وشهادة خبرة في ألمانيا، لذلك لم أستطع العمل بمهنتي باعتبار أن التدريب المهني يحتاج إلى مدة ثلاث سنوات، كما أنه ليس لدي شهادة خبرة عمل في ألمانيا! وبسبب هذه العقبات قررت العمل في مجال الحراسة الأمنية باعتبارها لا تحتاج إلى تدريب مهني ولا سنوات خبرة”.
تفاوت واضح بالأجور
وحول العواقب السيئة التي يدفع ثمنها اللاجئون ضرب الحاجي مثلاً بالقول: “يعمل أحد أقربائي بألمانيا في مجال الديكور، وباعتباره لم يخضع للتدريب المهني وليس لديه خبرة في ألمانيا، يتقاضى جراء ذلك أجرا ًحوالي (13) يورو في الساعة، على الرغم أن لديه خبرة عمل في سوريا تقارب العشرين عاماً! على عكس زميلته الألمانية التي تتقاضى (18) يورو، لأن لديها تدريب مهني وخبرة عمل”.
ويضيف حاجي: “أناشد الحكومة الألمانية وضع قوانين لصالحنا، كغض النظر عن جانب التدريب المهني والخبرة، بغية تحسين شروط العمل لدينا، كما أطلب من أصحاب الشركات التغاضي عن جانب اتقان اللغة الألمانية، واعتبارها تحصيل حاصل يمكن للعامل الأجنبي اكتسابها مع مرور الوقت”.
تكافؤ الفرص
أما حازم حلوم الذي عمل مدرساً لمقرر اللغة الإنكليزية في سوريا لسنوات علق قائلاً: “يوجد عقبات كبيرة تعترضنا كلاجئين، منها عدم تفعيل مبدأ تكافؤ الفرص، حيث لم أتمكن من العمل بتدريس اللغة الإنكليزية في ألمانيا، كون التدريس يحتاج شروط عديدة منها شهادة لغة ألمانية مستوى C1 وتعديل شهادتي الجامعية وما يترتب عليها من إضافة مواد جديدة يتوجب على المرء دراستها والنجاح بها! لذلك قررت تبديل مهنتي بافتتاح مقهى لبيع المشروبات في مركز تجاري، واستمريت بالعمل لمدة عام، إلا أنه بسبب تناقص أعداد الزبائن جراء جائحة كورونا، تقدمت إلى الجهات المسؤولة باقتراح بيع المثلجات والكعك، لكن الجهات المسؤولة في مدينتي لم توافق على طلبي بحجة أن محل آخر يبيع المثلجات في نفس المركز، لذلك توقفت عن العمل”.
وتابع حلوم: “نتمنى من الجهات المعنية سن قوانين وتشريعات لتشجيعنا على العمل، وكي نتمكن من افتتاح مشاريع صغيرة تعود بالفائدة على الجميع، فالتسهيلات القانونية المقدمة تخلق فرص عمل متنوعة وتهيئ بيئة استثمارية مناسبة”.
حزمة ضرائب ورسوم معقدة!
رافد عبد الغني لاجئ عراقي خريج هندسة معلوماتية جامعة بغداد، وعمل بمجال هندسة الحاسوب مع شركات في العراق والإمارات، استطاع بفضل جهوده ومثابرته تعلم اللغة الألمانية حتى مستوى C1، إلا أنه لم يستطع إيجاد فرصة عمل تتناسب ومؤهلاته! فقرر استئجار عربة متنقلة لبيع المأكولات الخفيفة، ليُفاجئ بمجموعة من الإجراءات القانونية والضريبية، شكلت عثرة في وجه مشروعه الصغير!
يقول عبد الغني: “ظننت للوهلة الأولى أن مشروع صغير لا يحتاج كم هائل من المعاملات! إلا أني صُدمت بمجموعة من العقبات القانونية، إذ يجب علّي دفع حزمة من الضرائب والرسوم المفروضة للبلدية وغرفة الصناعة والتجارة ومكتب المالية، ناهيك عن دفع المستحقات في هيئة الرقابة ومكتب الصحة.. إلخ، الأمر معقد للغاية”.