غالباً ما كانت فكرة دراسة الفنون الجميلة بأنواعها أو العمل في المجال الفني أمراً مؤرّقاً للأهل. فهي إما “لا تطعم خبزاً” أو “تحتاج إلى واسطة كبيرة” لأن دخول هذا المجال كان مرهوناً في أذهانهم بمجموعة احتكرت مفاتيحها. ورغم كلّ الصعوبات التي تعثّر بها هؤلاء المبدعون إلا أن كثيراً منهم بزغ نجمه وأثبت وجوده في الساحة الفنيّة.
لكنّ هذه المخاوف ليست حكراً على بلداننا فحسب، فمن استطاع الهرب من فكّي الظلم والمحدودية اصطدم هنا في بلدان اللجوء بجدران ومصاعب لا تقلّ صعوبة. وليست اللغة إلا أقلّها. هذا ما باح به كلّ من الفنّانين ربيع السيّد وحازم الحموي.
تجربة العمل في المجال الفني بألمانيا!
يرى “ربيع السيّد” الذي درس الفن في جامعة دمشق واختصّ بالعمارة الداخلية. وعمل كمهندس ديكور؛ أن العمل الفنيّ يواجه صعوبات في كلّ مكان. ويعتمد على التسويق وشبكة العلاقات أكثر من اعتماده على جودة العمل الفني نفسه. “فما بالك ببلد لا نعرف لغتها ولا تخلو من بعض العنصرية! كما أننا لا نعرف طريقة تصدير العمل الفني للمتلقي. خاصة وأننا من بلاد تعنى بتدريس الفن بطريقة وقواعد كلاسيكية وغالباً تهدف لخدمة قضايا مجتمعية وأحياناً سياسية” لكن هنا، وفق ما يراه السيّد، فإن الفن يغلب عليه الطابع الحديث الذي يخلو من الضوابط والقواعد وأحياناً من المضمون أيضاً.
بينما يصف المخرج والرسّام حازم الحموي تجربة العمل الفني في ألمانيا بأنها محبطة ومخيبة للآمال وأدنى من توقعاته. “السيستم الفني هنا خارج من رحم الرأسمالية فعلياً، ما يروّج له رأسمالياً هو أن الفن أداة للترويج”. ولا يتوقّف عند هذا فحسب، بل يرى أن “هناك طبقة فاسدة في الوسط الثقافي تستغلّ الفنانين اللاجئين ببرامج تستفيد من خلالها بمبالغ ضخمة. ويتحوّل الأمر إلى صفقات عمل، واستغلال هذا المنبر لتسيير علاقاتهم وفق أهوائهم الشخصية”
فالمخرج “الحموي” الذي كان يمتلك شركة ومعدّات تساعده على القيام بمشروعه الفنيّ. والذي حصد جوائز في سوريا يشعر أنه يقف أمام مشكلة تواجه المجتمع ككل. ويقول: ” إنّ نظام التعامل بتقديري لا يبدي أية مرونة في التعامل مع جميع الحالات. فيتحول مع الوقت لمجرد مكافِئ لمن يجيد لعبته والتعامل معه، أو معاقب للمتحفّظين عليه أو لديهم طرقهم الخاصة في شق طريقهم؛ فيتعامل مع المشاريع الفنية بنفس ذهنية تصميم معمل للسيارات. كما أن مجتمعاً (نرجسياً) يتشكل حديثاً مما يجعل مسألة تشكيل فريق للعمل أمراً غاية في الصعوبة”.
بالإضافة إلى أنه يشعر أن المسألة لا تقتصر على كونها موجة رأسمالية أو مجتمعية فحسب. لكنّها سياسية أيضاً وأن بعض القضايا السياسية التي يؤمن بها البعض تلاقي الرفض وتتحكّم بمصير الفنانين كذلك.
ماهي الصعوبات التي تعترض طريق العاملين في الوسط الفنيّ في ألمانيا؟
الصعوبات كثيرة برأي “حازم الحموي” وأهمها أنه لا توجد بيئة حاضنة داعمة سواء على الصعيد النفسي أو المادي. خاصّة وأن الفنانين القادمين يحتاجون إلى تمويل “تشعر أنك أمام تلميح يدعوك لكتابة ما يرغب المموّل. وإذا كان العمل في القطاع الخدمي فالوضع مختلف، لكنني أتحدّث عن المهن الفكرية والثقافية التي تستطيع تجميل المجتمع وتطويره .فهي فئة مظلومة ولم تأخذ فرصة أبداً وساهم بهذا الامر من أسسوا جمعيات أو دكتاتوريات أو أكشاك ثقافية ممولة من الدولة. وقسم كبير يعمل على أساس الشللية التي كانت أصلاً موجودة في سوريا”
هل اقترنت قضية اللجوء بالنشاطات الفنية؟
يعتبر ربيع السيّد أنه كان جلياً في بداية موجة اللجوء إعطاء تسهيلات لأيّ مدعٍ في المجال الفنيّ على حساب من يستحق هذه التسهيلات من الفنانين. و “أن موجة التعاطف في مرحلة الاستقبال سرعان ما انتهت بقدوم موجة لجوء جديدة”. أما بما يخص الجمهور الألماني “فغالبا ما يكتفي أولئك بإبداء الإعجاب بالفن كمجاملة دون اقتناء للأعمال الفنية”.
في حين يجد حازم الحموي أن البلد المضيف لا يرى الفنانين القادمين إلا من هذه الزاوية “فعلياً نحن مضطرون لعيش المحدودية التي يروننا فيها، وقد تقترن بالعنصرية الموجودة عند البعض. أنا أريد أن أكون نداً قوياً ومعطاء، وأريد أن ألعب دوري في المجتمع بتفانٍ وإخلاص ويسعدني أن أقوم بذلك لأن ذلك يعطي معنىً لوجودي في الحياة لكنهم لا يعطوننا فرصة”. “وهذا لا ينفي مدى امتناننا! ففي أول سنتين يهيمن شعور الامتنان والشكر على الإنسان. على ألّا تبقى دعوة كامنة لحصرنا في هذا الدور”.
كيف يمكن كسر الصورة النمطية؟
بالنسبة للصورة النمطية برأي السيّد: “غالباً ليس بيدنا تغييرها كأفراد لأن النظرة الفوقية التي ينظر إلينا بها الجانب المضيف تلعب دوراً مهمّاً” فمن الملاحظ في الكثير من الأماكن هناك توجيه للّاجئين بما يناسبهم بغض النظر عن رأي اللاجئ.
أما “الحموي” فتوصّل إلى أن على الفنان اللاجئ أن يتجاهل فكرة كسر الصورة النمطية التي تقوم على الاستسهال وعدم القدرة على بذل جهد للحوار والتفكير المنطقي.”علينا أن نركّز على نجاحنا بأخذ مكانة لنا في المجتمع وشكل هذه المكانة يغيّر كثيراً. بالإضافة إلى أننا لا نستطيع لوحدنا فعل شيء لذلك يجب أن نتعاون ونعود للتنسيق فيما بيننا”.