اقتصرت ظاهرة الكتب المُزوَّرة في العالم العربي سابقاً على الكتب الممنوعة من النَّشر، كالرواية الشهيرة “أولاد حارتنا” للأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، إذ ظلَّت الرواية لسنوات طوِيلة ممنوعة على القُرَّاء في مصر، لاعتبار أنَّها مُسيئة للذَّات الإِلهيَّة وللأنبياء. وهذا ما استدعى تزويرها لتصل إلى القارئ العربي في مختلف البلدان العربية.
إلَّا أنَّ الحال الآن وفي ألمانيا مختلف كلّيّاً، فلماذا تُباع الكتب العربية المُزوَّرة هنا؟ وما المقصود بالكتب المُزوَّرة؟ يرى البعض أنَّ مصطلح تزوير الكتب يُشير إلى نسخ أو طبع الكتاب الأصلي دون الحصول على موافقات قانونيَّة تُجيز طباعته. ويشمل تزوير الكتب أيضاً تصويرها ووضعها على مواقع إلكترونيَّة، ليقوم القارئ بتنزيلها بكلّ سُهولة وقراءتها دون مقابل. وفي كلتا الحالتين يسبَّبُ ذلك خسائر فادحة للنَّاشرين ولمُؤلّفي الكتب ولجميع العاملين بصناعة النَّشر.
رّقابة غائبة
يُؤكّد فادي عبد النور، وهو أحد القائمين على مكتبة خان الجنوب في برلين، أنَّ مشكلة الكتب المُزوَّرة في ألمانيا هي امتداد لأصل المشكلة في العالم العربي بشكلٍ عام، إذ إنَّ مصدر الكتب المُزوَّرة في ألمانيا هو البلدان العربية غالبًا، إلَّا أنه في مصر أو السودان مثلاً يمكن التعرف بسهولة على الكتاب المُزوَّر من قبل السلطات المختصَّة، وذلك لسبب بسيط أنَّهُ مكتوب باللُّغة العربية، أمَّا في ألمانيا فالجمارك، وهي المسؤول الأوَّل عن مراقبة وفحص البضائعِ التي تدخل البلاد، لا تستطيع التَّمييز بين الكتب المُزوَّرة والأصليَّة، لأنَّها لا تملكُ آليات فعالة ولا الكادر البشري المختص لكشف حالات تزوير الكتب كما هو الحال مع الملابس أو السَّاعات مثلاً.
كتاب مُزوَّر أم أصلي.. ما الفرق؟
تَفتقر الكتب المُزوَّرة إلى مواصفات الجودة كونها لا تمرُّ بمراحل الطّباعة الصَّحيحة، كاختيار الغلاف والورق والحبر المناسب، كما أَنَّ عُمر الكتاب المُزوَّر قصير مقارنة بالكتاب الأصليّ، بسبب رداءة الورق والحبر المستخدم. إلا أًنَّ التَّطوُّر الحاصل في أدوات الطّباعة، ومهارة المّزورين تُصعّب المهمَّة أمام القارئ والسُّلطات المُختصَّة لكشف التَّزوير.
أَمَّا الأسعار فهي ليست دائماً معياراً للتَّمييز بين النَّوعين كوَّنها لا تُشكّلُ فرقاً كبيراً في ألمانيا، فرواية “لأنني أحبك” لغيوم ميسو مثلاً يتراوح سعرها بين 15 إلى 18 يورو سواءً للنُّسخة المُزوَّرة أو الأصليَّة، وهذا يتناقض مع وجهة نظر بعض المكتبات الَّتي تبيع الكتب المُزوَّرة، من منطلق أنَّهم يُساهمون في نشر الثَّقافة وتثقيف القارئ العربي مقابل مبلغ زهيد، وأَنَّ بيع الكتب المُزوَّرة يرقى بالنّسبة لهم إلى عمل أخلاقي! ولكن في الحقيقة يبدو أَنَّ الموضوع لا يتعدَّى تحصيل أموال طائلة على حساب الكتّاب ودور النَّشر.
صناعة مُهدَّدة بالزَّوال
تُؤكّد الكاتبة حنان النعماني أَنَّ انتشار الكتب المُزوَّرة يُساهم بشكل أو بآخر في اندثار صناعة النَّشر: “طالما أنَّ الكُتّاب لا يتلقون مردوداً مادياً من الكتابة فلماذا عليهم الاستمرار بالكتابة أصلاً”، وهذا ما يتَّفقُ معه عبد النور أيضاً: “الاستمرار بتزوير الكتب سيُؤدّي مستقبلاً لإغلاق دور النَّشر وإفلاس النَّاشرين”. ما يضع القارئ العربي أمام مستقبل ربَّما يكون خالياً من الإبداع والكتب الجديدة.
الحل بيد القرَّاء والسلطات الألمانية
ترى النعماني أنَّ من حق القارئ العربي في ألمانيا أن يحصل على كتابٍ أصليٍّ، والحل برأيها أن يلجأ القارئ إلى المكتبات الموثوقة لشراء الكتب والابتعاد عن المصادر المجهولة. وفي هذا الصَّدد تُؤكّد مكتبة جرير السعودية والتي لديها مئات الكتب المنشورة في ألمانيا على لسان المُتحدّث باسمها وائل ناصر المقرن، بأنَّ مكتبة كتابك هي الوكيل الحصري لها في ألمانيا.
أمَّا عبد النور فيرى أنَّ الحل يجب أن يكون من الطَّبقة السّياسيَّة، وهو ليس بمستحيل، إذا ما تمَّ الضَّغط على البرلمان لوضع حد للتَّزوير، وذلك من خلال مطالبة إدارة الجمارك بالاستعانة بأشخاص إخصائيّين يستطيعون تحديد الكتب الأصليَّة من المُزوَّرة. بالإضافة إلى ذلك يعتقد عبد النور أنّ قضية الكتب المُزوَّرة يجب أن تُثار وتلاحق من قبل دور النَّشر أو وكلائهم أو حتَّى الكُتّاب أنفسهم، إِلَّا أنَّ ذلك لا يحدث! ويرجع عبد النور السبب في ذلك إلى أنَّ الطريق فيها يبدو مسدوداً في ظلّ غياب قوانين ألمانية تضمَّن لدور النَّشر تحصيل حقهم.
بصيصُ أمل
وسط كل هذا المشهد المعتم الذي تتربَّع عليه صناعة النشر العربية، يبقى الشَّيء الجيّد أَنَّ هناك محدوديَّة في الكتب المُزوَّرة، إذ يُؤكّد عبد النور أنَّ أغلب الكتب المُزوَّرة والمنتشرة حَالِياً في ألمانيا هي كتب تجاريَّة رائجة وعددها لا يتعدَّى المئات، في المقابل هناك الآلاف من الكتب الَّتي لم تطالها بعد يد المُزوّرين.