“موظفة إدارية تنسى سترتها بالمكتب وعند عودتها لأخذها، تسمع صوتًا جميلاً يلفت الانتباه! لتفاجئ بأن الصوت الرائع صاحبته عاملة النظافة”، نظرة التعاطف الممزوجة بالحزن من الموظفة اتجاه العاملة، غيرت واقع ومصير ياسمين بطلة الفيلم الذي يحمل اسمها. العمل سوري من إنتاج جمعية دارنا، ويصور حاليًا بمدينة فرانكفورت باللغة الألمانية، ومدته ١٥ دقيقة، ويركز على رؤية جديدة لاندماج عبر الفن..
اكتشاف الموهبة والقضاء على العزلة
يحكي الفيلم قصة سيدة سورية هربت مع ابنتها من الحرب بحثًا عن حياة أفضل في ألمانيا، حيث اصطدمت باختلاف الثقافات. ياسمين تعيش واقعين شبه متشابهين، إذ عاشت في وطنها حياة صعبة وكانت ضحية للزواج المبكر، ولم تستطع تطوير ذاتها وتحقيق أهدافها. وعند وصولها إلى ألمانيا، واجهت أيضا مشاكل جديدة للاندماج في المجتمع الألماني. حيث أن اتقان اللغة الألمانية وإيجاد عمل مناسب شكلا حواجز وتحديات أساسية في حياتها الجديدة، ما أدى إلى يأسها وإحباطها، وشعرت أنها معزولة تماما عن المجتمع المحلي.
لكن الموسيقى كانت نقطة التحول في حياة ياسمين، فبعد حالة العزلة التي عانتها، لاح بريق الأمل عند انضمامها لنادي موسيقي تابع لجمعية ثقافية، الأمر الذي ساعدها على اكتشاف موهبتها وتطويرها، وكان بداية جديدة لإيصال صوتها للمجتمع الألماني.
ما دام عنا أمل.. بنحقق هالحلم
زرنا موقع التصوير، والتقينا فريق العمل خلف الكواليس، ومنهم مخرج العمل الشاب خالد الحمصي، خريج جامعة جوته الألمانية قسم المسرح والسينما والإعلام 2020، والذي أخرج العديد من الأفلام القصيرة وشارك بعدة مشاريع سينمائية. الحمصي قال حول الفكرة والرؤية الإخراجية لفيلم ياسمين: “قصة الفيلم والسيناريو والحوار للكاتبة شهرزاد قنوع، وخلال إنتاج وإخراج العمل، اعتمدت على تجربتي وعلى تجارب فريق العمل ومحاولتهم بناء حياة جديده في مكان ومحيط مختلف. ومن ذلك المنطلق طورت فكرة الفيلم وطريقة إخراجه لتجسيد الواقع الصعب الذي مر به العديد من القادمين والقادمات الجدد، وبالأخص بعض النساء اللواتي لم تُتح لهن حياتهن السابقة تحقيق أحلامهن وأهدافهن، سواء كانت مهنية أو اجتماعية”.
وأضاف الحمصي: “أنتجنا أغنية خاصة بالفيلم تحت عنوان (ما دام عنا أمل بنحقق هالحلم) لتعبر عن التجربة التي مرت بها بطلة العمل ياسمين. الأغنية من كلمات وألحان الموسيقي والملحن مهند الحسن، وسيُعرض الفيلم لأول مرة في مدينة فرانكفورت منتصف أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، بمبنى Haus am Dom المعروف”.
تجربة مميزة.. لكنها متعبة!
بطلة الفيلم مروة درويش، سيدة سورية متزوجة ولديها طفلة، جاءت إلى ألمانيا عام ٢٠٠٧، وحاصلة على شهادة جامعية بالهندسة المعلوماتية قسم إدارة الأعمال، وتعمل حاليا بمكتب في مركز المدينة التابع لمقاطعة هسن. قالت حول تجربتها التمثيلية وتشابه قصة الفيلم مع حكايتها: “هذه أول تجربة لي بمجال التمثيل. أنا كمحبة وهاوية للغناء لم أتوقع في حياتي أن أخوض تجربة التمثيل لأن مجالي هو الغناء.. لكن شعوري كان جميل جدًا، لأن التجربة جديدة بالنسبة لي، لكنها متعبة جدًا، ولم أتخيل أن التصوير يحتاج لكل هذا الجهد والتعب! فقد قضيت عدة أيام متواصلة مع طاقم العمل لإنجاز هذا العمل الجميل. ولاحظت ان أهم شيء خلال التصوير هو روح الفريق الجماعية والتضامنية لإنجاز العمل”.
حلم الطفولة
وختمت درويش بالقول: “قصة الفيلم تشبهني إلى حدٍ ما، فمنذ طفولتي أحلم باعتلاء المسرح والغناء وإيصال صوتي لكل من يهتم بالموسيقى. وعندما أتيت إلى ألمانيا تعلمت اللغة الألمانية، وقررت متابعة تعليمي بالجامعة، ونجحت في هذه الخطوة وتخرجت، لكن بالنسبة للغناء أحاول إلى هذه اللحظة إيصال صوتي للمجتمع هنا. لقد عشت هذه التفاصيل الجميلة في الفيلم، حيث حققت حلمي واستطعت من خلال صوتي الاندماج في الوطن الجديد”.
الاندماج عبر الموسيقى
تشجع جمعية دارنا وهي مؤسسة ثقافية غير حكومية ومقرها مدينة فرانكفورت، على الاندماج عبر الثقافة والفن. وتطرح الجمعية مشاريع تشجع على الاندماج بالمجتمع عبر التبادل الثقافي والعيش المشترك. ولأن الموسيقى لغة يفهمها الجميع، يركز فريق العمل بالجمعية على الموسيقى كأداة مهمة من أدوات الاندماج. فلا يكفي إتقان اللغة الألمانية وإيجاد العمل لفهم المجتمع الجديد، فعدم التعرف على ثقافة الآخر يؤدي لتكوين مجتمعات موازية ومعزولة تماما عن محيطها. وهذا ما تعمل الجمعية لمواجهته عبر مشاريعها المتنوعة. ويأتي فيلم “ياسمين” لطرح هذه الرؤية من خلال عمل فني يصل الى الجمهور بسهولة.
Fotos: Katada Kadalem