يقف زيد حيدر اليوم على المسرح بفخر معلناً إطلاق المنصة الجديدة YANA، وهي اختصار لـ (You are not alone)، بعد شهور طويلة من العمل مع أشخاص آمنوا بأهمية المشروع وأعطوا من وقتهم وجهدهم بشكل تطوعي الكثير. منصة (يانا) تُعنى بتجارب العنصرية التي يتعرض لها الأشخاص في ألمانيا. إنشاء المنصة جاء بالأساس على يد ألمان ينحدرون من عائلات مهاجرة، وتعرضوا في طفولتهم لمختلف أنواع العنصرية بسبب أسمائهم أو لون بشرتهم. تستهدف المنصة تقديم الدعم النفسي للمراهقين والشباب في المرحلة العمرية بين 15-25 عاماً، وإتاحة مساحة لمشاركة تجاربهم مع العنصرية والإجابة على تساؤلاتهم حول تلك المواقف.
عندما يحدد اللون الهوية!
زيد حيدر، شاب ألماني من أصول أفغانية يبلغ من العمر اليوم 37 عاماً، لكن لفهم دوافعه وراء تأسيس المنصة، يجب العودة بالزمن قليلاً إلى الوراء. عندما كان زيد في الـ 18 من عمره وبدأ إدراكه لمعنى العنصرية الفج. ولد الشاب وتربى في مدينة هامبورغ، التي ذهب فيها إلى مدرسة كانت ذات أغلبية بيضاء. زيد وطفل أخر كانا الوحيدين في الفصل اللذين لم تكن بشرتهما بيضاء. مع تغير المعلمات والمعلمين كل عام، اعتاد زيد على خلط معلميه بين اسمه واسم الطفل الأخر، فهما يحملان أسماء ليست ألمانية. وبالنسبة للمعلمين كان الطفلان ببشرتهما السمراء يصعب التفريق بينهما، أو هكذا كان يبدو!
للبيض فقط!
ذكر زيد خلال حفلة إطلاق المنصة ذكرى حزينة مر بها خلال مراهقته، عندما ذهب في إحدى الليالي مع أصدقائه لإحدى النوادي الليلية في هامبورغ. سمح الحارس على البوابة لأصدقائه من أصحاب البشرة البيضاء بالدخول، بينما أزاح الحارس بيده زيد ولم يسمح له بالدخول! نظرات الحارس كما وصفها زيد كانت تقول لا مكان اليوم للأجانب. يقول زيد: “خلال هذا اليوم أدركت أني لست مثل أصدقائي وأن لون بشرتي سوف يقف عائقاً أمامي لإنجاز ما أريد. أدركت وقتها أني يجب أن أفعل شيئاً لأحسن من مكانتي داخل هذا المجتمع”. درس زيد القانون بجامعة هامبورغ وأثبت تفوقه بينما لم يحصل في أغلب الوقت على تشجيع من معلميه خلال فترة دراسته بالمدرسة. أراد تأسيس المنصة لمساعدة المراهقين الذين يتعرضون لعنصرية ولا يجدون دعماً حتى لا تتكرر تجربته مع مرهقين آخرين.
كيف تبدأ العنصرية داخل المدارس الألمانية؟
استغرقه الأمر عشر سنوات بعد إنهاء فترة المدرسة لإدراك الصورة الكاملة وفهم التجربة العنصرية التي مر بها. يقول زيد: ”حان الوقت لتغيير نظام التعليم في ألمانيا”. عاش زيد أصعب فترات الدراسة عندما التحق بالمدرسة الثانوية، فقد جاءت التوصية من قبل مدرسيه أنه غير مؤهل لدخولها لأن الألمانية ليست لغته الأم!
عائلة زيد من قلائل العائلات المهاجرة التي كانت على فهم كامل بنظام التعليم في ألمانيا. كان والداه يعلمان أن من حقهما عدم الالتزام بقرار التوصية والذهاب للتقديم بشكل مباشر في المدرسة التي يرونها مناسبة لابنهما. تعهد الوالدان للقائمين على المدرسة الجديدة بتحمل المسؤولية كاملة، مما وضع زيد تحت ضغط وخوف شديدين من ارتكاب أي خطأ. شعر زيد طوال الوقت أنه مراقب ويجب أن يظهر أفضل صورة منه حتى لا يتعرض للطرد من المدرسة. هذا الأمر لم يفهمه زملاؤه الألمان البيض، ورأوا أنه حساس للغاية ويفهم الأمور بشكل خاطئ، وأنه لا يعامل بشكل مختلف. يرى زيد كيف أن النظام التعليمي في ألمانيا يقف عائقاً أمام أبناء المهاجرين للحصول على فرص متكافئة.
ذكريات الطفولة خلال أحداث 11 سبتمبر
عندما وقعت أحداث 11 سبتمبر الدامية لم يكن الأساتذة الألمان يعرفون عن أفغانستان أكثر من أخبار الحرب أو أنها الدولة التي يسافر إليها الهيبيون لتعاطي المخدرات. يتذكر زيد جيداً هذا اليوم عندما قال أحد معلميه إننا في حرب الآن ضد الإسلام، فنظر إليه الجميع في الفصل. بدأت الحكومة الألمانية بمراقبة المسلمين خصوصاً المواظبين على زيارة المساجد، حيث كانت تدعم نظرية “Schläfer“ والتي تعنى وجود خلايا إرهابية نائمة داخل المجتمع الإسلامي. وضعت معايير طبقوها على الأشخاص المنتمين للشرق الأوسط من العرب والمسلمين. خلال تلك الحملة حُظر الحساب المصرفي لعم زيد، ووضع قيد التحقيق بتهمة دعم الإرهاب. بالنهاية لم تُثبت أي مخالفة قانونية في حق عمه ورُفع التجميد مرة أخرى عن حسابه المصرفي.
تحول اسم المنصة من Meta إلى YANA
قرر زيد عام 2017 الانتقال إلى برلين فقد رأى في المدينة المتروبولية أنها الأنسب لتنفيذ أفكاره. انخرط مع فريق “Datteltäter” والذي أسس قناة يوتيوب لمسلمين ألمان ينتمون لعائلات مهاجرة، تخطى عدد متابعيها الـ 500 ألف متابع. فتح الفريق مناقشة على إنستجرام سألوا فيها متابعيهم عن تجاربهم مع العنصرية في المدرسة، عند البحث عن وظيفة أو شقة والتنميط العنصري الذي تمارسه الشرطة الألمانية. يقول زيد: “صندوق الرسائل انفجر من البريد الوارد”. في وقت لاحق من عام 2020 وخلال فترة إغلاق كورونا، بدأ زيد بالبحث عن مطور برامج وأشخاص لديهم اهتمام بالعمل في مشروع المنصة. حصل المشروع على منحة دعم مكنتهم من توفير مساحة للعمل والدفع لبعض الموظفين.