في سوريا، تواصل قوات المعارضة السورية المسلحة تقدمهما، في حين يتراجع جيش الأسد أكثر فأكثر، فما الذي يحصل، وكيف يمكن أن تتطور الأوضاع هناك؟
التجهيز والتدريب سبب رئيسي
الدكتور إبراهيم الأصيل، المختص بالشؤون السياسية، والزميل بمعهد الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن العاصمة، قال لشبيغل أونلاين إن هناك عدة أسباب لنجاح المعارضة السورية المسلحة بتحقيق انتصارات متتالية أبرزها: الاستعداد الدقيق للعمليات عبر سنوات من التطوير والتدريب، كما أنهم تسللوا إلى صفوف جيش النظام السوري، لذلك تخلى جنود الجيش ببساطة عن مواقعهم وسمحوا لمقاتلي المعارضة بالتقدم.
وأشار الأصيل إلى أن هناك سبب آخر لسقوط حلب بهذه السرعة، وهو ضعف قوات النظام نفسها، حيث يشعر العديد من الجنود بالإحباط ولا يريدون القتال من أجل الأسد. “لقد فشل الأسد بإعادة بناء جيشه واستعادة ولاء قواته”.
فساد الإدارة وتضعضع جيش الأسد
وأضاف الأصيل: “النظام أصبح أكثر فساداً من ذي قبل، ويعتمد على شبكة من المقربين ومجموعة من أمراء الحرب. ولا توجد رؤية حقيقية لإعادة الإعمار. الاقتصاد السوري في حالة سيئة للغاية. من ناحية بسبب سوء الإدارة والفساد، ومن ناحية أخرى بسبب العقوبات. وإعادة بناء جيش الدولة يتطلب الكثير من المال، ولكنه يتطلب أيضًا رؤية. وهو أمر لا يستطيع الأسد أن يقدمه لمقاتليه”.
ضعف إيران وحزب الله جراء الحرب مع إسرائيل
وقال الأصيل إن إيران تأثرت بالهجمات الإسرائيلية أكثر مما كان متوقعا. فسلاسل اللوجستيات الإيرانية مقطوعة جزئياً. فإسرائيل هاجمت مختلف المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، ما جعل من الصعب للغاية نقل الأسلحة والمقاتلين بين البلدين. كما هاجمت إسرائيل قواعد الحرس الثوري الإيراني في سوريا. وأيضًا ضعف ميليشيا حزب الله (وكيل إيران في لبنان وأحد الداعمين الرئيسيين للأسد)، جراء الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان.
روسيا منشغلة بحربها على أوكرانيا
أما حول موقف الحليف الروسي لنظام الأسد، رأى الأصيل أن روسيا قلصت وجودها في سوريا خلال العامين الماضيين بسبب حربها على أوكرانيا. ولأن الخطوط الأمامية للجبهات في سوريا كانت متجمدة بشكل أو بآخر. ولم تكن هناك حاجة لإبقاء جميع المقاتلين والطائرات الحربية والطيارين الروس في سوريا. وأضاف: “أسمع من موسكو أن روسيا تشعر بالإحباط بسبب عدم قدرة النظام السوري على القتال”.
وقال الأصيل إن الأسد حول سوريا إلى دولة مخدرات. ويعتمد نظامه بشكل كبير على إنتاج وتصدير الكبتاغون، وهو منشط رخيص الثمن. فرق كاملة من الجيش السوري تعمل فقط على إنتاج ونقل الحبوب!
مدينة حماة وأهميتها الرمزية للثوار
وحول تحركات المعارضة السورية المسلحة على الخريطة قال الأصيل: “إنهم يتقدمون إلى مناطق ذات أهمية متزايدة لنظام الأسد. أمس استولوا على حماة، وهي مدينة ذات أهمية رمزية كبيرة. ففي عام 1982، كانت حماة مسرحاً لمجزرة وحشية ارتكبها نظام الأسد الأب. وفي عام 2011، جرت هناك أكبر المظاهرات السلمية ضد الأسد الابن، والتي قمعت بعنف. وفي ذلك الوقت، كانت هذه نقطة تحول اعتبرها الكثيرون بمثابة إعلان حرب من قبل النظام على شعبه. وعلى الرغم من أهميتها الرمزية، فإن مدينة حماة نفسها قيمتها الاستراتيجية عسكريًا محدودة.
حمص ستشهد معارك طاحنة
وتوقع الأصيل أن تشتد حدة القتال مع اقتراب الثوار من حمص جنوب حماة. وتقع المدينة على الطريق الذي يربط دمشق بالساحل، حيث يقع موطن “الطائفة العلوية” التي ينتمي إليها الأسد. وحمص نفسها هي أيضاً مدينة تضم أحياء علوية. وبالتأكيد سيحاول النظام وقف تقدم المعارضة السورية المسلحة والتحضير لهجوم مضاد.
لا يمكن للأسد الوقف بوجه العاصفة
لكن هل يمتلك الأسد القدرة على إيقاف زحف الثوار الجارف؟ يقول الأصيل: “لا، فذلك سيعتمد بشكل كبير على دعم حليفتي الأسد روسيا وإيران. لكن الدول التي ليست حليفة تقليدية، مثل دول الخليج، من المرجح أن تشارك أيضًا في مرحلة ما. إن رؤية المعارضة المسلحة تسيطر على شمال سوريا شيء، لكن رؤية النظام في دمشق مهددًا شيء آخر تمامًا بالنسبة لهؤلاء”. لا تريد معظم القوى الإقليمية سقوط الأسد في دمشق، لأنها تخشى الفوضى. ومع اقتراب الثوار من دمشق، قد يحاول المزيد من اللاعبين الإقليميين إيجاد طرق لدعمهم أيضَا.
دون دعم جوي روسي.. إيران عاجزة عن إنقاذ الأسد
وماذا ستفعل إيران للحفاظ على الأسد؟ يرى الأصيل أن طهران ستدفع المزيد من الميليشيات التي تمسك بلجامها في العراق، للقتال إلى جانب الأسد. وسوف ترسل أيضًا مستشارين عسكريين إلى سوريا. لكن ذلك دون المزيد من الدعم الجوي الروسي، سيجعل الميليشيات الإيرانية كافية لوقف الثوار، ولكن ليس لردهم.
بوتين متمسك بالأسد وسيتفاوض مع الأتراك
أمام هذا المشهد المتسارع، ما هي خيارات روسيا؟ يقول الأصيل: “روسيا في وضع صعب. ولا يمكنها أن تسمح بسقوط حليفها في دمشق؛ فهذا من شأنه أن يعرض نفوذها الإقليمي للخطر. يجب على موسكو إظهار قوتها وإظهار أن روسيا ما تزال ذات أهمية عسكرية بالشرق الأوسط. وفي نهاية المطاف، سيتعين على بوتين إعادة التفاوض على مجالات النفوذ في سوريا مع تركيا. وقد يأتي ذلك على حساب إيران.
اللاجئون والأكراد من أولويات أنقرة
وعن الدور التركي قال الأصيل: “لولا الضوء الأخضر من أنقرة، لما بدأ هجوم مثل الذي نشهده. قوات المعارضة السورية المسلحة تتكون بشكل أساسي من مجموعتين كبيرتين: الجيش الوطني السوري الذي يحظى بدعم مباشر من تركيا، وهيئة تحرير الشام التي تدعمها تركيا بشكل غير مباشر. تريد أنقرة الضغط على الأسد للتفاوض. وقد دعا الرئيس التركي رجب أردوغان مراراً الأسد لبدء مفاوضات للسماح لملايين اللاجئين السوريين في تركيا بالعودة إلى سوريا. وقد رفض الأسد ذلك. وأضاف الأصيل: “الهدف الثاني لتركيا هو دفع الأكراد السوريين إلى الجانب الشرقي من نهر الفرات. فتركيا تعتبر منطقة الحكم الذاتي الكردية في سوريا تهديدا لأمنها القومي”.
وعود هيئة تحرير الشام.. وضرورة ربط الأقوال بالأفعال
تحدث زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع الملقب بالجولاني، إلى مجموعة الأزمات الدولية. وأعلن أن حلب ستدار من قبل حكومة انتقالية، ومن المتوقع أن يغادر جميع المقاتلين المسلحين المناطق المدنية خلال الأسابيع المقبلة، وسيُطلب من موظفي الحكومة العودة إلى عملهم. وأكد أنه ينبغي احترام العادات الثقافية المختلفة للمجموعات السكانية المتنوعة. فما مدى التغير الفعلي الذي طرأ على تنظيم الجولاني؟
يجيب الأصيل على هذه النقطة: “أعتقد أنهم لم يعودوا كما كانوا. إنهم لم يعودوا متطرفين إلى هذا الحد، لكنهم ليسوا معتدلين بأي حال من الأحوال. ما مدى تطرفهم هو السؤال الكبير. ومن المناسب توخي الحذر ومراقبة كيفية ترجمة الأقوال إلى أفعال”.
- الدكتور إبراهيم الأصيل خبير سياسي وزميل بمعهد الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن العاصمة، وهو مدرس بجامعة جورج واشنطن. ترأس الأصيل سابقًا حركة اللاعنف السورية، التي تأسست عام 2011 لتحقيق التغيير السياسي في سوريا من خلال الحلول اللاعنفية، ولفت الانتباه العالمي إلى نضال السوريين من أجل الحرية.
- هذا النص مترجم بتصرف عن شبيغل أونلاين
- صورة الغلاف لمصور وكالة الأنباء الألمانية، الشهيد أنس الخربطلي