مع اقتراب زمن المجيء، تتزين المنازل والكنائس في مختلف أنحاء العالم بإكليل المجيء الأخضر، الذي يحمل أربع شموع مضيئة! لكن خلف هذا المشهد المليء بالبهجة تكمن قصة عميقة تجسد الرمزية والتاريخ، والتي تعود إلى أكثر من 180 عاماً. ما زالت هذه القصة تحمل في طياتها رسائل الأمل والانتظار.
ما هو إكليل المجيء؟
إكليل المجيء يعد من التقاليد المسيحية التي تشير إلى فترة انتظار ميلاد المسيح! يتميز بشكله الدائري المصنوع من أغصان التنوب الخضراء، وأربع شموع تضاء تباعاً في كل أحد من الأسابيع الأربعة التي تسبق عيد الميلاد. يرمز الشكل الدائري إلى الأبدية والخلود. بينما تعكس الأغصان الخضراء الأمل بالحياة وسط قسوة الشتاء.
الجذور التاريخية لإكليل المجيء
يرتبط هذا التقليد باللاهوتي البروتستانتي يوهان هينريش ويتشيرن، الذي عاش في هامبورغ في القرن التاسع عشر. ففي عام 1839 ابتكر أول إكليل للمجيء كوسيلة تساعد الأطفال الأيتام على حساب الأيام المتبقية حتى عيد الميلاد. وكان الإكليل الأول عبارة عن عجلة عربة عُلقت في غرفة الصلاة! وزُينت بـ24 شمعة ، 20 شمعة صغيرة حمراء لأيام الأسبوع، وأربع شموع بيضاء لأيام الأحد. وقد صمّمت الشموع لتضاء يومياً، مما ساعد الأطفال على إدراك الزمن المتبقي بطريقة ملموسة وبسيطة.
رمزية الشموع الأربعة الأمل والسلام في انتظار الميلاد
تمثل الشموع الأربع في إكليل المجيء معانٍ رمزية تجمع بين الروحانية والقيم الإنسانية! حيث تُضاء الشموع واحدة تلو الأخرى مع مرور الأسابيع الأربعة. الشمعة الأولى ترمز إلى الأمل والتفاؤل، وهي رسالة تتردد أصداؤها وسط ظلام الشتاء. أما الشمعة الثانية فتدعو للتأمل والسلام الداخلي. وهو ما يعكس جوهر هذه الفترة الروحية.
وفي بعض الثقافات تكون الشمعة الثالثة ذات لون وردي، وهي رمز للفرح والترقب مع اقتراب عيد الميلاد. أما الشمعة الرابعة فتمثل المحبة، باعتبارها رمزاً للعطاء والترابط الإنساني. ومع إشعال الشموع تدريجياً، يتصاعد النور ليُجسد فكرة انتظار “نور العالم”! وهي رسالة تحمل معاني الأمل والإنسانية.
إكليل المجيء في العالم رحلة من المحلية إلى العالمية
لم يصبح إكليل المجيء بالشكل الذي نعرفه اليوم شائعاً إلا بعد عام 1860. في ذلك الوقت أضيفت أغصان التنوب إلى التصميم، مما أعطى الإكليل رمزية أكبر! ومع بداية القرن العشرين انتشر التقليد بين الأسر البروتستانتية والكاثوليكية في أوروبا. خلال الحرب العالمية الثانية انتقل إكليل المجيء إلى مناطق أوسع في العالم. ففي الدول الأوروبية مثل ألمانيا والنمسا، يعتبر جزءاً أساسياً من الزينة المنزلية والطقوس الكنسية. أما في الولايات المتحدة وكندا فقد تحول إلى رمز مزدوج يجمع بين التقاليد المسيحية والروحانية الحديثة. وفي اليابان، يزين بأسلوب عصري يواكب ثقافة الهدايا.
تقويم المجيء العد التنازلي الممتع
إلى جانب إكليل المجيء، يعد تقويم المجيء من أبرز التقاليد التي تضيف طابعاً خاصاً للأيام التي تسبق عيد الميلاد. بدأ هذا التقليد بإشارات بسيطة على الجدران، لكنه تطور ليصبح مليئاً بالمفاجآت مثل الهدايا الصغيرة أو الحلويات. واليوم تتنوع تصاميم تقاويم المجيء بين المصنوعة يدوياً والمصممة تجارياً. وتتميز ببراعة في جذب الأطفال والكبار على حد سواء. في بعض الأحيان تستخدم تقاويم تحتوي على منتجات فاخرة، مما يضيف بعداً احتفالياً مميزاً.
تقاليد زمن المجيء: بين الأصالة والتجديد
زمن المجيء لا يعتبر مجرد تقليد ديني؛ بل هو فترة تعكس القيم الإنسانية المشتركة. الأغصان الخضراء لإكليل المجيء تعبّر عن الأمل والتفاؤل في مواجهة برودة الشتاء. في حين تزين زهور البوينسيتياس المنازل بألوانها الزاهية التي ترمز إلى النقاء والتجدد. بينما تحتفظ الكنائس بالطقوس الليتورجية التقليدية. تزين الشموع بألوان أرجوانية تعبر عن التوبة، بينما تشير الشمعة الوردية إلى الفرح. أما تقليد الهدال المعلق فوق الأبواب فهو رمز للحظ الجيد، ويستخدم لتعزيز الروابط الأسرية.
إكليل المجيء إرث ثقافي عالمي
ما يجعل إكليل المجيء محبوباً عالمياً هو بساطته الممزوجة بمعانيه العميقة. إنه يمثل الضوء وسط الظلام. الحياة وسط الشتاء، والأمل وسط التحديات. يعزز هذا التقليد الروابط الأسرية والاجتماعية من خلال لحظات التأمل التي يخلقها عند إشعال الشموع أسبوعياً. اليوم، يحمل إكليل المجيء رسالة واحدة تجمع عليها الثقافات المختلفة. وهي أن الأمل والقيم الإنسانية ستظل دائماً في صميم هذه الفترة الاحتفالية.
المصادر باللغة الألمانية المصدر الأول والثاني