Foto: Daniel Löb/dpa
نوفمبر 26, 2024

حزب البديل من أجل ألمانيا.. سياسات الهجرة وتحدي الديمقراطية!

مع تصعيد حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) لخطابه حول سياسات الهجرة وموقفه من الإعلام، تعيش ألمانيا حالة من الجدل العميق وتحدي الديمقراطية. وبينما يركز الحزب على خطة ترحيل اللاجئين المثيرة للجدل تحت عنوان “إعادة الهجرة”. التي تستهدف ترحيل ملايين المهاجرين. تتزايد المخاوف بشأن تهديد الحزب لقيم الديمقراطية وحرية الصحافة.

“إعادة الهجرة” سياسة تتجاوز الحدود الإنسانية

في مؤتمر عقده حزب البديل بولاية بافاريا، قدّم الحزب وثيقة تحمل عنوان “أجندة إعادة الهجرة”. تدعو إلى ترحيل ملايين المهاجرين خلال العقد المقبل، بمن فيهم أولئك الذين يحق لهم الحصول على الحماية الدولية. وتتضمن الخطة إقامة “مراكز حماية غير أوروبية”، حيث ينقل اللاجئون حتى من دون حق العودة إلى أوروبا. كما يقترح الحزب إعادة الأفراد الذين يصنفهم بـ”ضعيفي القدرة على الاندماج”.هذا التوجه أثار موجة انتقادات واسعة، حيث وصف وزير داخلية بافاريا يواكيم هيرمان هذه السياسات بأنها “عنصرية وغير إنسانية، وهي لا تتوافق إطلاقاً مع القيم الدستورية لألمانيا.” حتى من الجانب الاقتصادي، أثيرت شكوك حول فعالية هذه السياسات في وقت يعاني فيه سوق العمل الألماني من نقص حاد في العمالة الماهرة. هذه التوجهات، التي تتجاهل واقع الاحتياجات الاقتصادية، تضع حزب البديل في مواجهة ليس فقط مع القيم الإنسانية، بل أيضاً مع منطق السوق.

التأثير الاقتصادي السلبي المحتمل لتنفيذ أجندة حزب البديل

في ظل تراجع معدل المواليد وارتفاع أعمار السكان، تحتاج ألمانيا إلى استقطاب ما لا يقل عن 288 ألف عامل أجنبي سنوياً حتى عام 2040.  وفقاً لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة “برتلسمان”. وتؤكد الدراسة أنه بدون الهجرة، سينخفض عدد العمالة بنسبة 10%، مما سيؤدي إلى شلل في قطاعات أساسية مثل الصحة والبناء والنقل. إذا نفّذت أجندة حزب البديل المتعلقة بـ”إعادة الهجرة”، فإن التداعيات الاقتصادية قد تكون وخيمة. ترحيل ملايين المهاجرين، خاصة أولئك الذين يساهمون في سوق العمل، سيحدث فجوة كبيرة في القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية.

وتشير التقارير إلى أن العديد من هؤلاء المهاجرين يعملون في مجالات حيوية مثل الصحة، النقل، والخدمات اللوجستية، وهي قطاعات تعاني بالفعل من نقص العمالة. علاوة على ذلك، فإن تكاليف تنفيذ مثل هذه السياسات. بما في ذلك عمليات الترحيل الجماعي وبناء “مراكز الحماية غير الأوروبية”، ستكون هائلة. مما سيشكل عبئاً إضافياً على ميزانية الدولة. تخصيص موارد مالية كبيرة لمشاريع غير منتجة اقتصاديًا سيؤدي إلى تقليص الاستثمارات في دعم الاقتصاد أو تطوير البنية التحتية.

كما أن تبني خطاب مناهض للهجرة قد يضر بجاذبية ألمانيا كمركز للاستثمار والكفاءات. الشركات العالمية والمواهب الأجنبية قد تتردد في العمل والاستقرار في بلد يتبنى سياسات انغلاقية. مما قد يؤدي إلى خسارة فرص اقتصادية وزيادة العزلة الاقتصادية على المدى الطويل. تقول سوزان شولتز، خبيرة الهجرة في مؤسسة برتلسمان: “لا يمكن لألمانيا أن تواجه التحديات الاقتصادية المستقبلية دون سياسات هجرة منفتحة تعزز جاذبيتها للكفاءات.” رغم ذلك، يروج حزب البديل لرؤية تتناقض مع هذا الواقع، مركّزاً على خطاب طرد الأجانب بدلاً من إدماجهم. ويرى محللون أن الحزب يستغل المخاوف المجتمعية من الهجرة لتحقيق مكاسب انتخابية، دون تقديم حلول عملية للأزمات الاقتصادية والديموغرافية.

مضايقة الصحفيين: تهديد جديد للديمقراطية

إلى جانب سياسات الهجرة المثيرة للجدل، يتهم حزب البديل باستهداف الصحفيين وعرقلة حريتهم. في عدة مناسبات، منع الصحفيين من تغطية مؤتمرات الحزب أو ضيٌق عليهم بسبب طرح أسئلة لا تتماشى مع أجندة الحزب. تؤكد منظمة مراسلون بلا حدود أن تصرفات الحزب تُعد هجوماً مباشراً على حرية التعبير. مشيرة إلى أن “تعامل حزب البديل مع الصحفيين يعكس نزعة استبدادية تهدد ركائز الديمقراطية الألمانية.”في حادثة حديثة، منع الحزب صحفيين من دخول مؤتمر بعد تصريحات انتقدت خططه بشأن الهجرة. ما اعتبره الصحفيون محاولة واضحة للسيطرة على السرد الإعلامي ومنع النقد. هذا السلوك يفتح الباب أمام تساؤلات حول مدى احترام الحزب لقيم الحريات التي تعد جزءاً أساسياً من النظام الديمقراطي الألماني.

تناقضات حزب البديل: بين الشعبوية واحتياجات الواقع

في وقت يتزايد فيه اعتماد ألمانيا على المهاجرين لتأمين اقتصادها، يصر حزب البديل على تعزيز سياسات الانغلاق والترحيل، مما يضعه في مواجهة مباشرة مع احتياجات السوق. يرى محللون أن الحزب يتجاهل عمدًا الواقع الاقتصادي، مستغلاً المخاوف الشعبية لتحقيق مكاسب انتخابية. تقول كاتارينا شولز، زعيمة حزب الخضر البافاري “حزب البديل يظهر وجهه الحقيقي: عنصري، معادٍ للديمقراطية، وخطر على المستقبل الألماني.” بينما دعا سياسيون آخرون إلى مراجعة حظر الحزب على المستوى الفيدرالي، تظل هذه الخطوة معقدة بسبب القيود القانونية.

مستقبل الديمقراطية على المحك

يمثل صعود حزب البديل من أجل ألمانيا تحدياً مزدوجاً: فهو لا يهدد فقط سياسات الهجرة المتوازنة. لكنه يشكل خطراً على القيم الديمقراطية من خلال مضايقة الصحفيين وعرقلة حرية التعبير. وبينما تحتاج البلاد إلى حلول بناءة لمواجهة أزماتها الاقتصادية والديموغرافية. يصر الحزب على خطاب يعزز الانقسام والعنصرية. يبقى مستقبل ألمانيا مرهوناً بقدرة المجتمع المدني والقوى السياسية على مواجهة هذا الخطاب وحماية القيم التي بنيت عليها الجمهورية الألمانية بعد الحرب. فالهجرة، كما يراها الخبراء، ليست خطراً، بل فرصة لتعزيز الاقتصاد والمجتمع. وهي رؤية تتطلب شجاعة سياسية وتوازناً في مواجهة الشعبوية.

المصدر1

المصدر2