Photo: Omar Sanadiki/AP/dpa/صورة تعبيرية
سبتمبر 3, 2024

هل ستعيد ألمانيا علاقاتها مع الأسد لترحيل طالبي اللجوء المجرمين إلى سوريا!؟

ارتفعت الأصوات بعد الهجوم الإرهابي في زولينغن بترحيل طالبي اللجوء أو اللاجئين السوريين مرتكبي الجرائم إلى بلدهم الأم سوريا. لكن هناك عوائق على مستوى ألمانيا والعالم تحول دون تطبيق ذلك. منها مدى توافق هذا الترحيل مع اتفاقية اللاجئين، والمقابل الذي سيطلبه النظام السوري بقيادة الدكتاتور بشار الأسد. فهل ستتعامل ألمانيا مع الأسد لترحيل المجرمين من طالبي اللجوء واللاجئين السوريين!؟

وزراء داخلية يطالبون بالترحيل إلى سوريا

وفقاً لموقع تاغسشاو الإخباري، طالب العديد من وزراء الداخلية في الولايات الألمانية حتى قبل الهجوم الإرهابي في زولينغن بإعادة ترحيل طالبي اللجوء السوريين الذين ارتكبوا جرائم خطيرة إلى وطنهم. وعلى الرغم من حظر الترحيل إلى سوريا منذ عام 2012، فقد ازدادت دعوات الترحيل إلى البلاد التي تشهد حرباً وأوضاعاً إنسانية واقتصادية سيئة. ولم تقتصر هذه الدعوات على الأحزاب المحافظة فقط.

فبالإضافة إلى وزراء داخلية الولايات مثل أرمين شوستر (ساكسونيا، CDU)، ويواكيم هيرمان (بافاريا، CSU)، يطالب أيضاً أندي غروته (هامبورغ، SPD)، وإيريس شبانغر (برلين، SPD)، ووزير العدل الاتحادي ماركو بوشمان (FDP) بإعادة الترحيل إلى سوريا. ومن أبرز الأصوات في هذه القضية هو المستشار الألماني أولاف شولتس. ففي بيانه الحكومي الذي أصدره في الـ6 من حزيران/ يونيو، أي قبل الهجوم في زولينغن، قال شولتس: “يجب ترحيل مثل هؤلاء المجرمين، حتى لو كانوا من سوريا وأفغانستان”.

هل يتوافق ذلك مع اتفاقية اللاجئين؟

من الناحية القانونية، من الصعب جداً تنفيذ مطالب المستشار، إذ أن العوائق القانونية أمام الترحيل إلى سوريا كبيرة، وكون شولتس محامي يعرف ذلك جيداً. فقد نصت ألمانيا في الفقرة 60 من قانون الإقامة على أنه لا يجوز ترحيل أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر على حياته أو حريته. وهذه القاعدة تتماشى مع مبدأ “عدم الإعادة القسرية” الذي تنص عليه اتفاقية جنيف للاجئين.

وبالتالي يجب ضمان أن يتم ترحيل طالبي اللجوء فقط إلى بلدان آمنة. ببساطة: إذا لم يكن هناك وضع آمن في بلدهم الأصلي، فلا يمكن ترحيلهم. والمسؤول عن تقييم الوضع الأمني للدول في ألمانيا هو وزارة الخارجية. في ردها على سؤال لموقع تاغساشاو قالت وزارة الخارجية الألمانية “وفقاً للمعلومات الحالية التي تمتلكها وزارة الخارجية، فإن الوضع في جميع أنحاء سوريا يتسم بقدر كبير من عدم الأمان. وكذلك وضع حقوق الإنسان سيء، والظروف الإنسانية متردية”.

مع من يمكن التحدث في سوريا؟

تُعد سوريا حالياً لوحة شطرنج سياسية معقدة، إذ يسيطر نظام الأسد على الجزء الأكبر من البلاد، بينما يدير الأكراد شمال شرق البلاد، وتحتل تركيا أجزاءً من الشمال بشكل غير قانوني، وتسيطر الميليشيات الإسلامية على أجزاء من محافظة إدلب، وفي صحراء سوريا مناطق صغيرة ما زالت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد.

تسبب هذه المصالح السياسية المتضاربة في وضع أمني غير مستقر في جميع أنحاء سوريا، وهو ما يتماشى مع تقييم وزارة الخارجية السابق. لذلك يعتقد المحامون المختصون مثل جيني فليشر أنه حتى إعادة ترحيل طالبي اللجوء السوريين الذين ارتكبوا جرائم خطيرة مثل المشتبه به في هجوم زولينغن، عيسى الح. إلى سوريا لا يزال غير قانوني.

تقول فيلشر “في حالة الترحيل إلى سوريا، يجب أيضاً مراعاة أن نظام الأسد يستلم زمام الأمور. ولا تزال هناك اعتقالات تعسفية، ويعمل النظام القضائي بشكل تعسفي، والوضع الإنساني كارثي. حتى لو ارتكب شخص ما جريمة هنا، يجب النظر في إمكانية إعادته إلى هذا الوضع. إذ هناك عوائق قانونية كبيرة تحول دون ذلك”.

ما هو الثمن السياسي؟

هايكو فيمين هو الممثل الإقليمي لمنظمة “Crisis Group” في بيروت. وهو مطّلع على الأوضاع السياسية في المنطقة، ويعتقد أن أي عمليات ترحيل محتملة للاجئين السوريين من ألمانيا يجب أن تتم بالتفاوض مع نظام الأسد. فكل الأطراف الأخرى في سوريا تفتقر إلى الهياكل الحكومية التي تسمح بإجراء مفاوضات دبلوماسية منظمة.

يقول فيمين “في الواقع، الحكومة السورية هي الطرف الوحيد الذي يمكن التفاوض معه، وفي حال تم ذلك، فسيكون هناك خطوة نحو إعادة تأهيل هذا النظام, وهذا يعني تحسين وضعه والاعتراف بشرعيته. وسيكون ذلك تناقضاً واضحاً مع السياسة الألمانية طويلة الأمد تجاه سوريا، وسيشكل تحولاً دراماتيكياً في المسار. ويجب أن نتساءل عمّا إذا كان ذلك يستحق”.

دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تعيد النظر في موقفها

كانت عملية الترحيل إلى أفغانستان التي تمت يوم الجمعة الماضي قد سبقتها مفاوضات دامت شهرين مع شركاء إقليميين. وفقاً للمتحدث باسم الحكومة Steffen Hebestreit. وكان المقصود هو إمارة قطر، التي تربطها علاقات مع حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان، والتي يعتقد أنها توسطت لألمانيا.

من جهتها ترفض وزارة الخارجية الألمانية بشكل قاطع إجراء مفاوضات مباشرة مع طالبان. وكذلك مع نظام الأسد في سوريا حتى الآن. ومع ذلك، فإن الحظر الصارم المفروض على الترحيل إلى سوريا على مستوى الاتحاد الأوروبي قد شهد مؤخراً تصدعات واضحة. فقد طالبت دول مثل النمسا وجمهورية تشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا في أيار/ مايو الماضي بإعادة تقييم الوضع الأمني في سوريا. واستئناف عمليات الترحيل إلى هناك. والآن، انضمت ألمانيا إلى هذه المجموعة.

هل تلبي أوروبا أمنيات الأسد

من جهته اقترح رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس مؤخراً على المستشار شولتس اتباع “النموذج الدنماركي”. والمقصود هو سياسة اللجوء الدنماركية شديدة الصرامة، حيث صنفت بعض أجزاء من سوريا رسمياً على أنها “آمنة”. ومع ذلك، لم تنفذ الدنمارك حتى الآن أي من قرارات الترحيل المعلنة للاجئين السوريين المرفوضة طلباتهم إلى وطنهم. إذ تلتزم الدنمارك بسياسة الاتحاد الأوروبي ولا تقيم علاقات مع النظام السوري.

ويؤكد فيمين من “Crisis Group” أنه من المحتمل أن يطلب الأسد ثمناً باهظاً مقابل أي مفاوضات واتفاقيات. تتعلق باستقبال اللاجئين السوريين. الذين تم ترحيلهم من ألمانيا والذين ارتكبوا جرائم يقول فيمين “من غير الواقعي أن يتعاون السوريون هنا دون الحصول على شيء في المقابل. ربما يريدون التحدث عن تخفيف العقوبات. هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن تكون على قائمة رغبات السوريين. فهل نحن حقاً مستعدون للذهاب إلى هناك؟”!