Photo: Canva Pro
أغسطس 7, 2024

“غواتنامو الإيطالي”.. معسكر للمهاجرين في ألبانيا للحد من وصولهم إلى أوروبا!

تريد السلطات الإيطالية جلب اللاجئين الذين يصلون إليها على متن السفن، إلى معسكر غيادر شمال ألبانيا. المعسكر مزوّد بكاميرات مراقبة وأسوار عالية تبلغ خمسة أضعاف طول الإنسان. وفي حال هروب أي شخص من هذا المعسكر رغم الاحتياطات الأمنية وتم القبض عليه من قبل الشرطة الألبانية، يجب أن تعيده إلى الإيطاليين. هذا ما ينص عليه الاتفاق بين روما وتيرانا. وفي المعسكر يسود القانون الإيطالي.

اتفاقية إيطاليا وألبانيا

تهدف الاتفاقية لمنع الكثير من الناس من سلوك الطريق المباشر عبر البحر المتوسط إلى الاتحاد الأوروبي، وتحويلهم عبر الحدود الخارجية. ألبانيا هي دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها ليست عضواً بالاتحاد بعد. وتريد روما فحص طلبات اللجوء بمعسكرها في ألبانيا. هذه الإجراءات تُعد سابقة، وتراقبها أيضاً دول الاتحاد الأوروبي الأخرى بفضول إيجابي! يهدف ذلك للمساعدة بتخفيف الضغط عن مراكز اللاجئين في إيطاليا، التي يشتكي منها الكثيرون منذ سنوات. ولهذا السبب أبرمت إيطاليا وألبانيا اتفاقية العام الماضي، وتم التصديق عليها من قبل برلماني البلدين. من جهتها تتحمل روما جميع التكاليف “المباشرة وغير المباشرة”. وتم تخصيص نحو 670 مليون يورو لهذا الغرض.

صفقة بين البراغماتي راما والسياسية اليمينية ميلوني

رئيس وزراء ألبانيا الاشتراكي الديمقراطي إدي راما توصل إلى اتفاق مع نظيرته الإيطالية اليمينية جورجيا ميلوني، ما فاجأ بعض أعضاء حكومته. وتعرض لانتقادات من قبل معارضيه لافتقاره إلى الشفافية. راما معروف ببراغماتيته وعدم تقيده بالحواجز الأيديولوجية. ففي كانون الثاني/ يناير كان ضيفاً في الاجتماع التقليدي للكتلة البرلمانية لحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي في دير بانز. وكان موضوع النقاش هو الهجرة.

ووفقاً لرغبة ميلوني كان من المفترض أن يكون معسكر غيادر جاهزاً للعمل في أيار/ مايو لهذا العام. لكن تأجل الموعد عدة مرّات. وخلال زيارة لألبانيا، أعلنت ميلوني أن الأول من آب/  أغسطس الجاري سيكون الموعد الجديد. ولكن قبل أيام قليلة من هذا الموعد، تبين أن المشاكل التقنية أجّلت المشروع الذي تديره وزارة الدفاع في روما. مكان المعسكر هو مطار عسكري سابق في ألبانيا، وأرضيته هشة للغاية وكان لابد من تدعيمها. بالإضافة إلى ذلك، تسببت حرارة الصيف الشديدة بتقليل ساعات العمل لبناء المعسكر.

بيوت مسبقة الصنع تتسع 3000 رجل

في الموقع الحجري، تتكدس الأجزاء الجاهزة للبيوت مسبقة الصنع ذات اللون الرمادي الفاتح، حيث يُفترض أن ينام المحتجزون ويغتسلوا. قرابة نصف هذه البيوت جاهزة. لم يتم بناء الكافتيريا المخطط لها بعد. درجات الحرارة تصل إلى 35 درجة مئوية في الظل، حيث يلقي العمال حفاراتهم للاستراحة. في هذه الأثناء يقود السفير الإيطالي فابريزيو بوتشي مجموعة من الصحفيين عبر المنشأة شبه المكتملة التي يراقبها رجال الشرطة.

السفير لديه مهمة متناقضة، من ناحية يريد إظهار كيف ستتعامل بلاده بإنسانية مع اللاجئين والمهاجرين. ومن ناحية أخرى، تأمل روما أن يكون لهذه المعسكرات تأثير رادع على الأشخاص الذين يرغبون في القدوم إلى أوروبا.

يجب ألا يعاني أحد من رهاب الأماكن الضيفة بحاويات النوم في غيادر، حيث من المقرر أن يتشارك أربعة رجال مساحة لا تتجاوز 15 متراً مربعاً. لكن على الأقل، تم تركيب مكيفات هواء في كل حاوية. وفي الأماكن المخصصة للاستحمام تم تركيب مجففات شعر. هناك أيضاً غرفة منعزلة للاحتجاز في حالة مهاجمة أحد المقيمين لمقيم آخر. ومن المقرر أن يستوعب المعسكر ما يصل إلى 3000 رجل في وقت واحد، تحت إشراف 100 إيطالي، شرطة، أطباء، ممرضين. وخلال فترة احتجازهم، سيتواصل المقيمين في المعسكر مع السلطات الإيطالية ومحاميهم الذين يزورونهم من إيطاليا أو يتواصلون معهم عبر تقنية الفيديو. وحسب الخطة، يمكن أن يعيش نحو 36 ألف شخص في هذا المعسكر على مدار السنة.

انتقادات من منظمات حقوق الإنسان

المشروع مثير للجدل في إيطاليا. المعارضة في روما تشكك في شرعية الاتفاق الإيطالي- الألباني وتصفه بـ “غوانتانامو الإيطالي”. إيطاليا تُعد واحدة من الدول الأكثر تضرراً من حركة اللاجئين من أفريقيا إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط. ففي العام الماضي، وصل أكثر من 150 ألف شخص إلى سواحلها. جورجيا ميلوني تولت منصبها عام 2022 بعد أن وعدت بتقليل أعداد الوافدين، لكن الأرقام المرتفعة دفعتها إلى إبرام عدة اتفاقيات للحد من الهجرة.

المراكز في ألبانيا ليست مخصصة للاجئين الذين يصلون إلى السواحل الإيطالية عبر القوارب أو الذين يتم إحضارهم من قبل المنظمات الخيرية الخاصة، بل لأولئك الذين يتم اعتراضهم من قبل السلطات الإيطالية في المياه الدولية.

حسب منظمة العفو الدولية، تستهدف هذه الإجراءات اللاجئين الذين يقتربون من السواحل الأفريقية ليصعدوا على متن السفن الإيطالية. تهتم منظمة حقوق الإنسان بسلامة هؤلاء الأشخاص الذين غالباً ما يكونون في قوارب غير صالحة للإبحار تحت أشعة الشمس الحارقة دون مؤن كافية. كما تتهم المنظمة السلطات الإيطالية بتعريض هؤلاء الأشخاص، الذين قد يكونوا مرضى أو يعانون من صدمات نفسية، لرحلة بحرية طويلة إلى ألبانيا بدلاً من نقلهم بسرعة إلى أقرب جزيرة إيطالية.

المتابعة والنقد

تُشدد منظمة العفو الدولية على أن معالجة أوضاع اللاجئين تتطلب عناية خاصة، حيث يعيش الكثيرون وسط ظروف صعبة وقاسية خلال رحلاتهم عبر البحر. وتعتبر المنظمة أن نقل هؤلاء اللاجئين عبر البحر إلى ألبانيا، بدلاً من تقديم الدعم الفوري لهم في إيطاليا، يمكن أن يزيد من معاناتهم.

من جانبه يصر السفير الإيطالي فابريزيو بوتشي، على أن جميع الإجراءات في معسكر غيادر تتماشى مع القوانين الأوروبية والإيطالية. ويقول إن القوانين الألبانية تتوافق فعلياً مع المعايير الأوروبية، وأن جميع القوانين المعمول بها في إيطاليا تطبق هنا أيضاً. كما أكد أن اللجنة الأوروبية تراقب الوضع وتبقى على تواصل مع السلطات الإيطالية لضمان الالتزام بالقوانين الدولية.

لقد أصبح مشروع غيادر رمزاً للسياسة الأوروبية الإيطالية الجديدة بالتعامل مع الهجرة، ويمثل خطوة غير مسبوقة قد تسهم بتغيير كيفية إدارة تدفق المهاجرين في المستقبل. ويبقى أن نرى كيف سيؤثر هذا النموذج على الوضع الإنساني للاجئين، وكيف ستستجيب الدول الأوروبية الأخرى لهذا النهج؟