لم يظهر الغرب ووسائل إعلامه ومؤسساته أي اهتمام بالوضع الكارثي في اليمن لسنوات طويلة. ويتهم صحفيون وناشطون يمنيون الغرب بـاتباع سياسة (الكيل بمكيالين) وبالتواطؤ مع الحوثيين، وظهر ذلك جليًا أثناء عرقلتهم معركة تحرير مدينة الحديدة من قبل القوات المشتركة في العام 2018، وفرضوا على الحكومة المعترف بها دوليًا وقف تقدّمها بحجة قلقهم على حياة اليمنيين! وهو ما أَعتبر طوق نجاة من الغرب لجماعة الحوثي. وحين بدأت الحركة الحوثية تهدد مصالح الغرب التجارية، التفتت أنظاره وإعلامه وقواته باتجاه اليمن!
إسبيدس في مهمة عسكرية بحرية
منتصف نوفمبر من العام الماضي بدأ هجوم الحوثيين على السفن قبالة سواحل اليمن دعمًا ونصرةً لغزة. ومع تصاعد الهجمات على السفن التجارية أطلق الاتحاد الأوروبي في 19 شباط/ فبراير 2024 عملية عسكرية بحرية لحماية الملاحة الدولية في الممر المائي الاستراتيجي الذي تمر عبره 12% من التجارة العالمية، أٌطلق عليها “إسبيدس” أي الحامي وهي عملية مستقلة عن تحالف الولايات المتحدة “حارس الازدهار” لكنها وفقًا لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لن تشارك في الضربات ضد الحوثيين.
تعد مصر الأكثر تضررًا من تعطل الملاحة في البحر الأحمر حيث انخفض عدد السفن العابرة يومياً من قناة السويس من 60 سفينة إلى أقل من 12؛ وفي تصريح إعلامي لرئيس هيئة القناة أسامة ربيع أفاد بأن”عدد السفن التي عبرت القناة انخفض إلى 1362 سفينة في كانون الثاني/ يناير، مقابل 2155 سفينة عبرت في الشهر نفسه من العام الماضي، وتراجعت إيرادات مصر من 804 ملايين دولار سجلت في كانون الثاني/ يناير العام الماضي إلى 428 مليون دولار خلال الشهر نفسه هذا العام، بعجز نسبته 46%”. وذلك بعد تغيير السفن مسارها إلى رأس الرجاء الصالح تجنبًا للهجمات، وهو مسار وقته أطول وكلفته باهظة (مايقدر بمليون دولار لكل رحلة)
الحرب المنسّية
يعزي الكاتب وأستاذ الفلسفة بجامعة صنعاء معن دماج تجاهل الأوروبيون لما يحدث في اليمن منذ سنوات إلى عدة أسباب منها: “إن الأوروبيين ينظرون إلى الحركة الحوثية أنها حركة أقلية تعبر عن جزء من السكان الأصليين، وهذا يفسر جزء من الموقف الأوربي بشكل عام، وتصورهم أن الإرهاب في العالم الإسلامي مقتصر على السنة”.
إضافة إلى تصور إستشراقي سائد لا ينظر إلى دول المنطقة باعتبارها تحتوي على شعوب بل على قبائل وطوائف، فتعتبر التشكيلات الطائفية والعشائرية المعبر الطبيعي عن المنطقة. وبعد اندلاع الحرب أُضيف عامل آخر، وهو العداء التقليدي للسعودية في صفوف اليسار الأوربي الذي يعتبرها قلعة الرجعية. وأشار إلى الموقف البريطاني الرافض لسيطرة قوات محسوبة على الإمارات على ميناء الحديدة، الأمر الذي سيجعل هيمنة الإمارات شبه كاملة على سواحل اليمن، بينما لبريطانيا مخططات أخرى خصوصا فيما يتعلق بموانىء الحديدة الثلاثة.
الحوثيون في قائمة التنظيمات الإرهابية
قبيل انتهاء ولايته أدرج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جماعة الحوثي على قائمة المنظمات الإرهابية مطلع يناير2020، وبعد فوز جو بايدن أزالهم من القائمة، غير أن إدارة الرئيس بايدن في 17يناير/ كانون الثاني الماضي أعادت تصنيفهم كيانًا إرهابيا عالميًا “محدد بشكل خاص” بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، جاء القرار عقب الهجمات التي شنتها الجماعة على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن. واشترط جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي وقف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر لدراسة رفع التصنيف.
يعتقد الكثيرون إن الأمر لا يتعلق بانتهاء الحرب في غزة، فالحوثيون أحد أذرع إيران وأحد أداوتها بالمنطقة، ولهذا سيظل خطرهم قائم حتى وان توقفت الحرب في غزة. فيما يخص رفض الاتحاد الأوروبي تصنيف الحوثيون كحركة إرهابية يفسر دماج ذلك بقوله: “ربما تكون هناك عوامل تجعل الاتحاد الأوروبي يظن أن ذلك سيلحق أضرارا بالناس العاديين ومؤسسات تقديم العون والإغاثة”.
موضحاً: “لكن الأمر يتعلق أولا وأخيرا بالإرادة والحسابات السياسية؛ ولعل الاعتقالات التي نفذها الحوثي بحق العاملين بالمنظمات الأممية ومنظمات تقديم الإغاثة يكشف عن استخدام الحوثي لهذا الملف بشكل سياسي لمصلحته، وأنه لا يهتم بوضع الناس ولا إغاثتهم إذا لم تصب في مصلحته”.
الحوثيون يحرفون الأنظار عن أزماتهم الداخلية
يرى بعض المحللين أن الحوثيين بقصفهم السفن في البحر الأحمر وخليج عدن إنما يهربون من أزماتهم الداخلية والاحتقان الشعبي ضدهم بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وعدم دفع المرتبات والقمع والاضطهاد. وفي هذا الصدد يؤكد معن دماج أن هجمات الحوثي على إسرائيل وفي البحر الأحمر حققت له شعبية كبيرة في العالمين العربي والإسلامي، كما أنها سمحت له باستعراض إمكانياته للحصول على موقع في السياسة الإقليمية، وكذا تثمين قيمته بالنسبة لإيران كحليف أكثر أهمية؛ لكنه يخاطر بخسارة صفقة كانت ستكون في مصلحته، ما عرف بخارطة الطريق الأممية، والتي هي في الواقع (إتفاق سعودي حوثي).
وأردف قائلا: “بالفعل كان وضعه الداخلي في أسوأ أحواله فقد تصاعدت النقمة الشعبية والاحتجاجات في مناطق سيطرته التي تجلت خصوصا في الاحتفالات بعيد الثورة 26 سبتمبر وحل الحكومة الشكلية والاعتراف بالوضع المزري على لسان قائد الحركة، لافتًا إلى أن الهجمات على إسرائيل والبحر الأحمر مكنته تحويل الأنظار عن الأوضاع المزرية والمظالم الداخلية الهائلة وتصريفها باتجاه القضية الفلسطينية التي تتمتع بشعبية جارفة طبعا والحوثي يحاول الاستفادة من ذلك من أجل مزيد التجنيد والتعبئة استعدادا لجولات الصراع القادم مع الشرعية”.
مستدركا: “تأثير ذلك سيضعف مع الوقت لأن الناس ستعود إلى الاهتمام بحياتها ومعيشتها وستصبح الدعاية الحوثية مؤثرة في الخارج أكثر من الداخل”.
عسكرة البحر الأحمر
يخشى مراقبون من عسكرة مياه الخليج، ومن إضعاف الحكومة اليمنية ويعتقدون أن صد هجمات مليشيا الحوثي ومكافحة إرهابها لن يتأتّى إلا بدعم الحكومة (المعترف بها) ورفع الغطاء عن الحركة الحوثية والمنظمات التي تعمل لمصلحتها في أوروبا. وفي تصريحات صحفية قالت مديرة معهد الشؤون الدولية الايطالي ناتالي توتشي: “الضربات الأمريكية- البريطانية تزيد من تعقيدات الموقف الأوربي” محذرة من احتمالات التصعيد.
يقول دماج “من الواضح انه تم عسكرة البحرين الأحمر والعربي، ولم يكن هناك أي رد فعل من دول المنطقة حتى مصر المتضرر الأكبر من تعطل حركة الملاحة وكذلك السعودية”! ويرى دماج أن الأوروبيين لايستطيعون تغيير الوضع في البحر الأحمر حتى ولو ضاعفوا الأسطول الذي تأتي أهميته فقط سياسية، بمعنى موقف أكثر تشدد من الحوثية وإيران، وختم بالقول: “من يمكنه المعالجة هم الأمريكان الذين حتى الآن يمارسون الضغط على الحوثي من أجل تغيير سلوكه أكثر من رغبتهم بتغيير المعادلات أو إلحاق ضرر بالغ به”.
- سامية الأغبري – صحافية يمنية