يمكن للمسرح أن يكون حلم أغلب من يدخلون مجال التمثيل. كيف لا؟ وهو الأكثر متعة وخطورة في نفس الوقت. وحين أتحدّث عن المسرح لا أقصد به المسرح التجاري أو المبتذل. وإنما أتحدّث عن ذلك المسرح الذي تحرّكه الإنسانية والذي قال عنه الكاتب والمخرج الإفريقي بريت بيلي “أينما كان هناك مجتمع إنساني.. تتجلّى روح المسرح التي لا يمكن كبتها”.
أمل عمران وروح المسرح!
هذه الكلمات قد تكون تعبيراً دقيقاً يظهر روح المسرح وأهميّته. أما الحرية فهي زاده، ومعها يكفي أن تكون روح المسرحيّ وخياله حاضرين.. عندها فقط ينطلق الإبداع كحصان بريّ دون لجام متحرّراً من أي كبت أو ضغط. فكيف إذا كانت تلك الروح مرتبطة بشكل وثيق مع متعة خالصة بالتعليم. دفعت صاحبتها، وأقصد هنا الفنّانة أمل عمران، إلى مواجهة لجنة تحكيم المعهد العالي للفنون المسرحية وقالت لهم “سأعلّمكم التمثيل”. وبالفعل بعد أن تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق سنه 1989. أكملت دراسة فن التمثيل في مدينه سانت ييغو في الولايات المتحدة الأمريكية ثم في الجمهورية التشيكية لاحقاً. وعادت إلى دمشق سنة 1994 للتدريس في المعهد العالي مادة التمثيل. وكان لها أعمال مسرحية، تلفزيونية وسينمائية كما عملت في مجال الدوبلاج الصوتي.
الاستمرار
و”حين تركت سوريا بعد الثورة في 25 شهر آب 2012 بعدما تعذر عليّ البقاء لأسباب سياسية”. عملت في بيروت مع الأطفال من مخيم صبرا وشاتيلا كمتطوّعة وشاركت معهم بألعاب مسرحية وغيرها من النشاطات التطوعية. وبدأت رحلة جديدة مع المسرح في ألمانيا حيث: “تعرفت على مسرح الرور في أواخر سنه 2012 عندما عرضنا مسرحية (حدث ذلك غداً) وبعدها تتالت عليّ الفرص من ذات المسرح. ومنها دعم وزارة الثقافة والحكومة الألمانية لاحقاً لتجمع مقلوبة“. وتجمع “مقلوبة” لمجموعة من الفنانين والمسرحيين السوريين ومركزهم الحالي مسرح (Theater an der Ruhr) في مدينة مولهايم. في إنتاجاتها المسرحية، تتساءل مجموعة مقلوبة عن الدستور السياسي والاجتماعي للعالم العربي والأوروبي على خلفية التغيرات الاجتماعية الأخيرة. وتصاحب الأعمال المسرحية مشاريع فنية كمعارض وورشات عمل وحفلات موسيقية. تعرض في شمال الراين فسيتفالن وألمانيا وفي الخارج وتنشئ مساحات لاجتماعات عابرة للحدود الوطنية.
مشروع شهرزاد!
ولأن أمل عمران تتبنى روح المسرح ولا تفصل بين الشأن الاجتماعي والفنّي والسياسيّ أيضاً. فخشبة المسرح بالنسبة لها مساحة للتواصل وتبادل الحكايات. ومن هنا بدأت فكرة مشروع شهرزاد “فالفكرة بدأت من الحاجة إلى التواصل مع السيدات في منطقة الرور والحاجة إلى تبادل القصص والحكايات والتجارب لندعم بعضنا البعض. وكما تعلمين بأن شهرزاد قد أنقذت النساء من الموت المحتم وتحملت تبعات قرارها بأن تتزوج شهريار على الرغم من الخطر المحدق بهذا القرار …التهلكة إلا أنها استطاعت أن تنجو وتنقد الأخريات عن طريق الحكايات وها نحن نكرر التجربة في موطن اللجوء نستمر عبر الحكايات”.
للتجربة دور داعم!
ومع تطوّر التدريبات على مسرح الرور مع السيدات المشاركات أحسّت الفنانة عمران “بحاجة لاستخدام قناع المهرج الأنف الأحمر لنروي ما نشاء”. تقول جمنة إحدى السيدات المشاركات إنها أحبت التجربة واستمتعت بها ورغم بعد مكان التدريب عن منطقتها وتأخير القطارات في يوم الأحد إلا أنها تتمنى أن تعيد هذه التجربة مرّة أخرى. ” شاركت بالتجربة عن طريق ابني وسام الذي يعمل في المسرح. سألني إذا كنت أحب المشاركة في ورشة عمل للمسرح خاصة بالنساء فقط. فقبلت دون تردّد. خاصّة وأنني حاولت المشاركة في عمل مسرحي في المدرسة، ولكن أهلي حينها رفضوا الفكرة”.
“كانت تجربة رائعة جدّاً، وخصوصاً لنا نحن السوريات في بلد اللجوء. شعرت أنني أستطيع تفريغ طاقتي من خلال العمل في هذه الورشة. وأن داخل كل انسان شيء يستطيع أن يقوله وأن يعبر عنه بطريقته. فالتمارين التي قمنا بها كانت جميعها جديدة بالنسبة لنا كطريقة التنفس مثلاً وتنظيمه وتدريبات الصوت والارتجال في موقف ما والكتابة أيضاً. أما عن تمثيل دور المهرج فكان رائعاً أيضاً. كان فريق العمل متميّز ومتعاون ومتحاب وقد قدمت لنا الرائعة أمل عمران الكثير من الدعم والحب والتشجيع على الكتابة”.
مسرحية شغف/ أغاني الحب
وبتمويل من وزارة الثقافة والعلوم في ولاية شمال الراين فيستفالن. استطاعت جائزة المسرح الاتحادي تقديم الدعم المادي للعرض المسرحي “شغف/ أغاني الحب” الذي ابتكرت فيه الفنانة عمران حضرة حديثة كتجربة مشتركة مع الجمهور للاحتفال بالقوة الفردية والعالمية للحب غير المشروط. باستخدام الأغاني والرقص والكلمات والفيديو والموسيقى الارتجالية المتأثرة بالصوفية. حيث يحتفل الصوفيون عادة بطقوس الحضرة بالتنفس والغناء والرقص معاً. ويتوحّدون مع الحب الإلهي من خلال حركات متناسقة ومنسجمة على إيقاعات الكون، على مسارات الكواكب، في انسجام مع الفصول والحياة.